الحديث عن الإجهاض في مصر، يعد من المواضيع الحساسة التي يخشي أن يذكرها أحد. ولكن مع زيادة تعرض الفتيات لوقائع اغتصاب أو حدوث حمل في إطار علاقة غير زوجية، نجد أن هناك الكثير من الفتيات تلجأن للإجهاض، ولأن الأمر محظور في مصر بموجب المواد 260-264 من قانون العقوبات، تحاول الفتيات إجراء عملية الإجهاض بمفردها أو في أماكن غير متخصصة أو كما يطلق عليها ” عيادات تحت بير السلم” تضطر لذلك لاستكمال حياتها دون تحمل أعباء ولادة طفل جاء بالعتداء أو بطريقة غير شرعية.
وليس هذا السبب الوحيد للإجهاض، فهناك أسباب عدة تفكر فيها النساء للإجهاض، ولكن بموجب الحظر في مصر، تتعرض الكثير من النساء إلى الخطر، لتنفيذ العملية بطرق تكاد تفقدها حياتها . وكان هذا السبب الذي دفع الناشطة الحقوقية في مجال الدفاع عن المرأة، غدير أحمد الدماطي، للتحدث عن قضية الإجهاض في مصر في كتابها “حكايات الإجهاض. النساء بين العائلة والقانون والطب”، الذي نُشر في أواخر ديسمبر 2022، والتي تطرقت فيه للحديث عن الأوضاع في مصر، فيما يتعلق بالإجهاض سواء في الشق الطبي أو القانوني، وأعطت الفرصة للنساء في كتابها للحديث عن تجاربهن مع الإجهاض، بطريقة حرة بعيدة عن القيود.
وفي تصريحات إعلامية للناشطة النسوية “غدير الدماطي”، أوضحت أن الهدف من كتابها كان معرفة النساء ممن خضعن لعمليات إجهاض أو يشرعن في الإجهاض، أنهن لسن وحدهن، مؤكدة أن الحديث عن هذا الأمر في مصر يعتبر ممنوعًا.
الحق في الإجهاض بالقانون المصري
تم تجريم الإجهاض في مصر لأول مرة عام 1883 في عهد الخديوي محمد توفيق باشا، على غرار القانون الفرنسي حينها.
فالقانون المصري لا يبيح الإجهاض حتى في حالات الاغتصاب أو الاعتداءات الجنسية التي أسفرت عن حمل، حيث تنص المادة 260 إلى 264 من قانون العقوبات على معاقبة النساء والأطباء والصيادلة الذين يجرون عمليات إجهاض غير قانونية أو يساعدون في إجراؤها أو يبيعون عقاقير تساعد على الإجهاض.
هناك حالة واحدة يسمح فيها القانون بالإجهاض، وهي في حالات الخطر على صحة الأم المتزوجة أو الجنين، حيث تنص المادة 61 من قانون العقوبات، على إنه ” لا عقاب على من أرتكب جريمة ألجأته إلى ارتكابها ضرورة وقاية نفسه أو غيره من خطر جسيم على النفس على وشك الوقوع به أو بغيره ولم يكن لرادته دخل فى حلوله ولا فى قدرته منعه بطريقة أخرى”.
وهذا يوضح وجود استثناءات لإسقاط الحامل في حالات الضرورة، يشمل هذا الاستثناء الحالات التي يشكل فيها الحمل خطرًا على صحة المرأة الحامل، وحالات ضعف الجنين.
وعن ذلك، قالت الحقوقية والناشطة في مجال الدفاع عن المرأة “عزة سليمان”، ورئيسة مجلس أمناء مؤسسة قضايا المرأة، خلال تصريحات إعلامية سابقة، إن هذه القوانين “تعكس الموقف تجاه جسد المراة إذ ليس للمرأة رأي؛ إذا ما كانت تريد حملها أم لا أو كانت ترغب في الإجهاض”.
وضع الإجهاض في حالات الحمل من الاغتصاب
في عام 1998، أصدر محمد سيد طنطاوي، الإمام الأكبر للأزهر، فتوى تدعو إلى الإجهاض للنساء غير المتزوجات اللاتي تعرضن للاغتصاب.
فقد أباح كبار علماء الدين قرار الإجهاض في حالات الحمل من الاغتصاب، أو الاعتداءات الجنسية للنساء غير المتزوجات، حيث نص قرار هيئة كبار العلماء رقم (140) الصادر في الدورة التاسعة والعشرين، على أن الحمل إذا كان في الطور الأول -وهي مدة الأربعين- وكان في إسقاطه مصلحة شرعية، أو دفع ضرر متوقع جاز إسقاطه.
وكذلك إن تعدى الجنين طوره الأول ودخل في الثاني، ولكن لم ينفخ فيه الروح -أي قبل تمام مائة وعشرين يومًا، فيجوز إسقاطه- على الراجح- إن كان هناك ضرر على المرأة المغتصبة في إكمال حملها. وأما إن نفخت فيه الروح، فلا يجوز إسقاطه بحال، إلا إذا كان بقاؤه خطرًا محققًا على حياة أمه.
وضع الإجهاض في مشروع القانون الموحد لمكافحة العنف ضد المرأة
ينتظر أن يناقش البرلمان المصري مشروع القانون الموحد لمكافحة العنف ضد المرأة، الذي يضم بنودًا واضحة وخاصة بالقضايا التي تهم المرأة ومنها قضية “إسقاط الحامل”، فهناك فصل كامل يتكلم عن هذا، للمطالبة بحق المرأة في الإجهاض الآمن.
تنص المادة (33) من مشروع القانون المقدم للبرلمان، بأنه لا تعاقب الحامل على فعل الإسقاط دون موافقة الشریك في الحالات الآتیة:
– إذا كان، لسبب طبي، أو كان ضرورًیا للحفاظ على صحة المرأة الحامل بشهادة الطبیب.
– إذا حصل قبل 120 یوًما من بدایة الحمل.
– إذا كان الحمل جاء نتیجة اغتصاب، أو كان نتیجة لزواج غیر موثق، أو إذا كان الزوج مفقوًدا، أو إذا كان هاجًرا، أو حكم علیه بعقوبة سالبة للحریة لمدة عام أو أكثر، أو إذا عرف الحمل بعد الطلاق.
وضع الإجهاض في التشريعات القانونية للدول الآخرى
في دول الخليج، نجد أن الإجهاض يعد جريمة أيضًا، فقد نص المشرع العماني في المادة 315 من قانون الجزاء العماني الجديد، الذي صدر بالمرسوم السلطاني رقم 7 لسنة 2018، في الفصل الثاني من الباب التاسع تحت عنوان: “الجرائم التي تمس حياة الانسان وسلامته” على ما يلي: “تعاقب بالسجن مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على ثلاث سنوات كل امرأة اجهضت نفسها عمدًا بأي وسيلة كانت أو مكنت غيرها من ذلك برضاها، وتكون العقوبة السجن مدة لا تقل عن عشرة أيام ولا تزيد على ثلاثة أشهر إذا اجهضت المرأة نفسها أو مكنت غيرها من ذلك اتقاء للعار”.
كما ورد بالمادة 316 من ذات القانون يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد علي ثلاث سنوات كل من أقدم بأي وسيلة كانت على إجهاض امرأة برضاها وتكون العقوبة مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد علي خمس سنوات إذا كان الجاني أحد مزاولي المهن الطبية”.
أما في الأردن، فعلى الرغم من كون المشرع هناك يستمد بعض مفاهيمه التشريعية من القانون الإنجليزي، إلا أنه لم يأخذ بوضع حدود واضحة كما في التشريع الإنجليزي، واتفق في ذلك مع المشرع المصري في جواز إسقاط الحامل فقط في حالات الخطر على صحة الحامل، انقاذًا لحياتها.
أما في لبنان، نجد أن العقوبة صارمة حول تجريم الإجهاض، فوفقًا للمادة 541 من قانون العقوبات اللبناني: “كل امرأة تطرح “تجهض” نفسها مجرمة، فهي تعاقب بالحبس من 6 أشهر إلى 3 سنوات”، وشددت العقوبة بالمادة 542 من سنة إلى ثلاثة بحق من أقدم على إجهاض امرأة برضاها، أما المادة 543 فقد نصت على حكم من سبب عن قصد تطريح امرأة دون رضاها بالأشغال الشاقة 5 سنوات على الأقل.
وفي العراق، حظر الإجهاض أيضًا، فقد نصت المادة 417 على عقوبة الحبس لمدة لا تزيد على سنة واحدة وبغرامة لا تزيد على مئة دينار كل امرأة أجهضت نفسها عمدًا بأية وسيلة كانت أو مكنت غيرها من ذلك برضاها، وكذلك تفرض العقوبة نفسها على كل من أجهض امرأة عمدًا برضاها، وترتفع العقوبة إلى السجن لمدة لا تزيد على سبع سنوات إذا أدى الاجهاض أو الوسيلة التي أدت إلى حدوثه إلى موت المجني عليها.
أما في تونس، كان هناك جواز لإسقاط الحامل في الحالات الآتية، وفقًا للفصل 214 من الجزائية:
– أولا: إذا لم تتجاوز مدة الحمل الثلاثة أشهر الأولي.
– ثانيًا: يرخص فيه بعد الثلاثة أشهر إذا يخشى من أن يتسبب تواصل الحمل في انهيار صحة الأم وفي كلا الحالتين لابد من القيام بعملية إسقاط الحمل بمستشفى أو مصحة مرخص لها.
وفيما عدا هذه الاستثناءات، يمنع القانون التونسي الإجهاض أو محاولة إسقاط الحمل ولو برضاء الحامل نفسها ويعاقب القانون استعمال جميع الوسائل من أطعمة ومشروبات وأدوية أو وسائل أخرى، لإسقاط الحمل ويعاقب بالسجن وبالخطية أو إحدى العقوبتين الأم المعنية بالأمر ومن ساعدها أو أشار إليها بذلك.
وفي السودان، يعتبر الإجهاض جريمة أيضًا، إلا في حالات معينة، ومنها الجمل نتية الاغتصاب. فقد ورد في القانون الجنائي السوداني، في المادة 135، على أنه: “يعد مرتكبًا جريمة الإجهاض من يتسبب قصدًا في إسقاط جنين لأمرأه إلا إذا حدث الإسقاط في أي من الحالات الأتية:
– إذا كان الاسقاط ضروريًا للحفاظ على حياة الأم.
– إذا كان الحمل نتيجة لجريمة اغتصاب ولم يبلغ 90 يومًا ورغبت المرأة في الاسقاط.
– إذا ثبت أن الجنين كان ميتًا في بطن أمه.
وبخلاف هذا، يعاقب من يرتكب جريمة الاجهاض في السودان بالسجن مدة لا تجاوز 3 سنوات أو بالغرامة أو بالعقوبتين معًا، وذلك دون مساس بالحق في الديه.
وأخيرًا، دعونا نرى وضع الإجهاض في القانون الفرنسي الحالي، حيث أن تجريم الإجهاض في مصر جاء في البداية على غرار هذا القانون.
ففي فرنسا يعد الإجهاض قانوني عند الطلب حتى 12 أسبوعًا بعد الحمل، ويُسمح بالإجهاض في مراحل لاحقة من الحمل إذا شهد طبيبان بأن الإجهاض سيتم لمنع حدوث إصابة دائمة خطيرة بالصحة الجسدية أو العقلية للمرأة الحامل، أو أن الطفل سيعاني من مرض خطير بشكل خاص معروف بأنه غير قابل للشفاء.
ومن هذا المنطلق ندعو لأهمية مناقشة مشروع قانون العنف الموحد والموافقة على تعديل الإطار القانوني لنظر عملية الإجهاض وإتاحته بموجب القانون المقترح بما يتلائم مع سلامة وصحة النساء.