تعد التوعية بالحقوق الجنسية والإنجابية من أهم القضايا التي يجب معالجتها لتحقيق التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية. ولتحقيق هذا على مستوى واسع في مصر، على الدولة أن تلعب دورًا حيويًا في تعزيز هذه الحقوق من خلال حملات التوعية التي تهدف إلى رفع مستوى الوعي وتغيير السلوكيات السلبية.
ويقصد بالحقوق الجنسية تشمل الحق في الحصول على معلومات دقيقة وشاملة عن الصحة الجنسية، وحق الأفراد في اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن حياتهم الجنسية دون تمييز أو اضطهاد. أما الحقوق الإنجابية فهي تشمل الحق في الحصول على خدمات صحية متكاملة تتعلق بالصحة الإنجابية، والحق في اتخاذ قرارات متعلقة بالإنجاب بحرية ومسؤولية.
وللأسف، مع التقدم الكبير الذي شهده العالم، ما زال هناك تحديات واضحة تواجه المجتمع المصري بشأن التحدث عن الحقوق الإنجابية والتثقيف الجنسي، وتوعية الشباب من الجنسين حول هذا الموضوع مبكرًا، في المدارس، قبل مرحلة الزواج.
من أبرز التحديات التي تقف أمام التوعية الصحيحة بالحقوق الجنسية والإنجابية في مصر، للشباب والشابات قبل الزواج، هو الثقافة المجتمعية المحافظة التي تعيق التوعية، بينما يتم التحصل من المعلومات، سواء كانت صحيحة أو مضللة من الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، أو من الدوائر المقربة من الأصدقاء، دون التأكد من صحتها.
ومن خلال الموضوع التالي، نسلط الضوء على التحديات التي تواجه مصر في تنفيذ حملات توعوية واسعة بشأن الحقوق الجنسية والإنجابية، وسوف نوضح دور الدولة والمنظمات غير الحكومية في نشر التثقيف الجنسي والإنجابي.
التحديات التي تواجه حملات التوعية المتعلقة بالحقوق الجنسية والإنجابية في مصر
تواجه حملات التوعية المتعلقة بالحقوق الجنسية والإنجابية في مصر، تحديات كبيرة نتيجة للثقافة المجتمعية المحافظة التي قد تعتبر الحديث عن الحقوق الجنسية والإنجابية موضوعًا محظورًا، خاصة في المناطق الريفية والأكثر تحفظًا، وهذا يؤدي لقلة التجاوب مع مثل هذه الحملات التوعوية، وبالتالي انتشار المعلومات الخاطئة بين الفتيات والشباب حول الحقوق الجنسية والإنجابية، بالإضافة إلى أن قلة التوعية تؤدي إلى انتشار ظاهرة الزواج المبكر.
ومن التحديات التي تواجه حملات التوعية المتعلقة بالحقوق الجنسية والإنجابية في مصر أيضًا، هو غياب فكرة التربية الجنسية في المناهج المدرسية، وبالتالي عدم تقبل مثل هذه الحملات في مصر، ولم تلقى قبول عند الأهالي.
دور الدولة في حملات التوعية المتعلقة بالحقوق الجنسية والإنجابية
تحاول المؤسسات الحكومية في مصر، في نشر التوعية بالحقوق الجنسية والإنجابية بشكل مبسط حول بعض الأمور الهامة، حتى يتقبلها المجتمع المصري. فكما ذكرنا أن الثقافة المجتمعية في مصر، هي نفسها من ترفض تلك الحملات التوعوية، ولكن كان هناك بعض الجهود من الدولة في نشر التوعية بالتثقيف الجنسي في مصر، وهي كالآتي:
- منذ عام 2014، تم استحداث أول لجنة تنسيقية للقضاء على ختان الإناث في مصر، برئاسة مشتركة بين المجلس القومي للمرأة والمجلس القومي للأمومة والطفولة، والتي تعمل علي توحيد جهود كافة الشركاء من الحكومة والجهات القضائية وجهات انفاذ القانون والكيانات الدينية والمجتمع المدني.
- وفي تقرير بالموقع الرسمي للهيئة العامة للاستعلامات، في نهاية يونيو 2023، ذُكر فيه أنه يتم العمل على برنامج الارشاد الأسري، التنشئة المتوازنة، ومعًا لنبقي، والذي يتضمن رفع وعي الأزواج بأسس اختيار شريك الحياة وأهمية إجراء فحوصات ما قبل الزواج، وأسباب المشكلات الزوجية وكيفية علاجها بإدارة الحوار والتواصل الفعال، وأسس التخطيط الأسري، وحقوق الأبناء في الرعاية بالمساواة.
- وفقًا للموقع الرسمي للهيئة العامة للاستعلامات، فقد عملت مصر خلال السنوات الماضية علي إطلاق حملات توعوية للسيدات والأسر على الأرض وحملات أولاين علي مواقع التواصل الاجتماعي. فقد عمل المجلس القومي للمرأة على حملات طرق الأبواب والتي وصلت إلى ٥ مليون باب و٤٨ مليون مستفيدة خلال السنوات الماضية. تضمنت الحملة رسائل لرفع الوعي الاجتماعي والاقتصادي وسبل الحماية من العنف وختان الاناث بالإضافة إلى حملات توعية بالمدارس.
- تم إطلاق حملات تستهدف الرجل مثل حملة لأني رجل وحملات للتوعية بأهمية التنقل الآمن للمرأة في المواصلات العامة ومناهضة الزواج المبكر.
- إطلاق حملة “إحميها من الختان” منذ عام 2019، والتي وصلت حتى يونيو 2023، إلى ما يقرب من 89 مليون اتصال توعوي (من خلال حملات الطرق وحملات التوعية ذات الصلة على منصات التواصل الاجتماعي وغيرها من الوسائط الإعلامية).
- إقامة ندوات للتوعية بموضوعات مجتمعية منها: الصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة، ومكافحة العنف ضد المرأة والختان، ومناهضة الزواج المبكر.
- تم إطلاق حملات توعية للتنقل الآمن للمرأة منها “متخليش محطة توقفك” تثقيفية بأربعة محطات رئيسية بمترو الأنفاق، بمحافظة القاهرة، لرفع الوعي حول: مكافحة التحرش الجنسي، وتنظيم الأسرة، وتشجيع تعليم الفتيات، والقضاء على الزواج المبكر وحملة “السكة أمان” بالتعاون مع هيئة السكة الحديد.
- تم التعاقد مع منظمة اليونسكو لتطبيق برنامج التربية الجنسية الشاملة في المدارس، ولكن حتى الآن لم يتم تطبيقه رسميًا، حيث تغطي المناهج الدراسية في المدارس المصرية مواضيع مثل تكوين ووظائف الأعضاء التناسلية وعملية الإخصاب والحمل، ومن بعد 2011، تم إضافة بعض المعلومات عن وسائل تنظيم الأسرة، في المناهج المدرسية.
دور المنظمات غير الحكومية في التوعية بالحقوق الجنسية والإنجابية
بسبب العديد من التحديات التي تواجه الدولة حول التثقيف الجنسي في مصر، ومع عدم وجود قانون أو سياسة عامة في مصر مرتبطان بشكل محدد بالتربية الجنسية الشاملة، نجد أن المجتمع المدني والمنظمات الشبابية غير الحكومية تبذل كل الجهود بشأن الحملات التوعية المتعلقة بالحقوق الجنسية والانجابية.
فتحاول منظمات المجتمع المدني الاهتمام بقضايا الصحة والحقوق الجنسية والإنجابيّة من خلال إطلاق الحملات التوعوية عبر وسائل التواصل الاجتماعي وعقد الورش التثقيفية ونشر المعلومات عن لسان مختصّين، ويأتي من أبرزها:
- مركز “تدوين” لدراسات النوع الاجتماعي، وهو إحدى المنظمات التي تستهدف القضاء على العنف القائم على النوع الاجتماعي بالتثقيف الجنسي للشباب والشابات في مصر، فقد أطلق منذ نشأته عددًا من الحملات كحملة “مش عيب” التي استهدفت إنهاء الوصم المتعلق بالتثقيف الجنسي في مصر، ونشرت مقاطع فيديو حول الأمراض المنقولة جنسيًأ، وعنف الشريك، والعنف القائم على النوع الاجتماعي.
- عملت مبادرة “براح آمن”، وهي مؤسسة نسوية مصرية، على بناء الجانب المعرفي بالحقوق الجنسية والجنسانية لمساندة الناجيات من الانتهاكات والعنف الجنسي، وفق لما ذكره موقع “سمكس”.
- أما منصة “الحب ثقافة”، وهي منصة عربية متخصصة في مناقشة مواضيع الصحة الجنسية والإنجابية، فتقدم معلومات طبية مدعمة بالأبحاث العلمية، ومقالات وتجارب شخصية تتناول مواضيع الجنسانية والصحة الجنسي والإنجابية، وفق لما ذكره موقع “سمكس”.
- وعلى الرغم من الجهود المبذولة من قبل المجتمع المدني والناشطين/ات في مجال الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية، يبقى واقع التثقيف الجنسي في مصر تحديًا كبيرًا؛ فاعتبار هذا المحتوى منافيًا للآداب العامة، وعدم تطبيقه في المناهج التربوية، وتقييده على منصات التواصل رغم موثوقيته، يترك النساء في مهب ريح المعلومات المُضللة.
توصيات لتنفيذ برنامج التربية الجنسية الشاملة في مصر من اليونسكو
كانت منظمة اليونسكو، أوضحت أن برامج التربية الجنسية الشاملة تعد الأسلوب الأمثل لتقديم المعلومات الصحيحة بشأن حقوق الصحة الجنسية والإنجابية، وتصحيح المعلومات المضللة، وتمكين الشباب من اتخاذ قرارات مستنيرة. فيقدم برنامج التربية الجنسية الشاملة المعارف الجنسية والإنجابية وتعرف الشباب\ات والمراهقين\ات بالمهارات بشكل دقيق يتناسب مع عمرهم\هن بينما تغير تصوراتهم بشأن الأعراف الاجتماعية السلبية المتعلقة بالنوع الاجتماعي. ومن أهم التوصيات لتنفيذ هذا البرنامج في مصر، الآتي:
- إقامة حوار بين الأطراف المعنية الرئيسية، بمن فيهم الشباب والمعلمين/الاخصائيين الاجتماعيين، والقيادات الدينية، وأولياء الأمور بشأن احتياجات وفوائد تطبيق التربية الجنسية الشاملة كوسيلة رئيسية لمعالجة المفاهيم المغلوطة عن الصحة الجنسية والإنجابية.
- إشراك الأطراف المعنية الرئيسية والمجتمع المدني والوزارات ذات الصلة عند صياغة السياسات والاستراتيجية لتصميم وتنفيذ ورصد وتقييم برامج التربية الجنسية الشاملة.
- استخدام تقييم الاحتياجات الوطنية لاحتياجات وسلوكيات ومعارف الشباب بشأن الصحة الإنجابية والجنسية .
- وضع إطار عمل لمطابقة الطلاب مع خدمات الصحة الإنجابية الملائمة للشباب التي تحترم خصوصيتهم وحقوقهم الإنجابية كلما احتاجوا للحصول على الخدمات الطبية.