في السنوات الأخيرة، أثارت قضية الطلاق الشفهي دون التوثيق، جدلًا واسعًا، لما يقع على الزوجة من آثر سلبي، في كونها مُنفصلة ولكن في نظر الدولة والمجتمع هي على ذمة رجل لا يصرف عليها، ولا يأويها، فهو من المفترض أنه قام بتطليقها، ولكن لم يثبت هذا أمام الدولة، بتوثيق الطلاق، مثلما حدث بتوثيق الزواج.
وهذه المشكلة عانت منها عدد كبير من النساء، حيث يجب أن يحدث الطلاق بعقد موثق وذلك لضمان حقوق النساء، ولكن هناك عدد ليس بالقليل من الرجال، يقومون بالطلاق الرسمي دون توثيق، حتى لا يقع على عاتقه إلزام دفع المؤخر والنفقة وغيرها من مصروفات، خصوصًا لو كان هناك أطفال من هذه الزيجة، فيكون التهرب من توثيق الطلاق أمر شائع.
فتسجيل وتوثيق الطلاق، من شأنه أنه يخدم النساء، بل والأسرة والأطفال، ويمنع استغلال النساء، أو حرمانها من حق تجربة الزواج من آخر، واستكمال الحياة معه.
وكان الرئيس السيسي وجه بضرورة وضع حد للطلاق الشفهي، وذلك في مارس 2023، وهذا ما سنتحدث عنه.
السيسي يناشد بالقضاء على الطلاق الشفهي
وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال كلمته باحتفالية الأسرة المصرية، في مارس 2023، إلى ضرورة القضاء على الطلاق الشفهي، لما فيه من إهدار لحقوق المرأة، وأعلن خلال كلمته أن الحكومة تعمل بالفعل على صياغة قانون الأحوال الشخصية، ليقضي نهائيًا على الطلاق الشفهي، مشيرًا إلى وجود نحو 300 ألف فتوى حول الطلاق خلال 5 سنوات.
وقال الرئيس السيسي، في هذا الأمر: “يجب أن يتوقف الطلاق الشفهي وينتهي لأضراره الكثيرة وصعوبة ضبط وكبح ما يجري على الألسنة من كلمات قد تدمر الأسرة في لحظات غضب”.
كما لفت إلى ضرورة توثيق الطلاق مثل الزواج، وذلك للحفاظ على اللبنة الأولى في المجتمع وهي الأسرة.
رأي الأزهر في ضرورة توثيق الطلاق الشفهي
أوضح شيخ الأزهر في تصريحات تلفزيونية سابقة، بأن هيئة كبار العلماء تشجع على توثيق الطلاق، وتطالب بسن قانون يُلزم الزوج بالتوثيق، ولكنه أوضح أنه لا تستطيع الهيئة مع ذلك أن تفتي بأن الطلاق المستوفي الشروط إذا صدر من الزوج بدون توثيق لن يقع.
وكان أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر سعد الدين الهلالي، لفت في تصريحات صحفية لموقع “سكاي نيوز عربية”، إلى ضرورة توثيق الطلاق، موضحًا أن الطلاق يجب أن يكون على شاكلة الزواج، فكما أنه لكي يكون الزواج شرعيًا يجب وجود عقد ومأذون، ويوثق بشكل رسمي، فكذلك الطلاق، بما أنه هو حل رباط الزوجية، فيلزم أن يكون ذلك عن طريق التوثيق أيضًا.
كما أوضح أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، أنه يجب أن يتم الطلاق بشكل موثق حتى يتم إلغاء الشهادة الرسمية للزواج، ووقوع الطلاق للمتزوجين رسميًا بشكل شفهي لا يتفق مع المنطق ولا العقل ولا الشرع، مُختتمًا كلامه مُشددًا: “لا طلاق إلا بالتوثيق كالزواج”.
بيان هيئة كبار العلماء بالأزهر في مسألة الطلاق الشفهي
ناقشت هيئة كبار العلماء بالأزهر، مسألة الطلاق الشفهي، منذ عدة سنوات، وأصدرت بيانًا رسميًا لهم، وكان من أهم ما جاء بالبيان، أنه يجب على المطلّق في كل الأحوال والظروف أن يسارع إلى توثيق طلاقه فور وقوعه، حفاظًا على حقوق المطلقة وحقوق أبنائها. ونص بيان الهيئة الموقرة على أن: “من حقِّ وليِّ الأمر شَرَعًا أن يَتَّخِذَ ما يلزمُ من إجراءاتٍ لسَنِّ تشريعٍ يَكفُل إيقاعَ عقوبةٍ تعزيريَّةٍ رادعةٍ على مَن يمتنع عن التوثيق أو يماطل فيه؛ لأنَّ في ذلك إضرارًا بالمرأة وبحقوقها الشرعيَّة”.
ضحايا الطلاق الشفهي
هناك العديد من النساء المتضررات من عدم إثبات الطلاق الشفهي، وكان من ضمن هذه الحالات، سيدة تحدثت مع برنامج “ماما دوت أم”، تقديم فاطمة مصطفى، عن تطليقها شفهيًا “بالثلاثة” من قبل زوجها، وبعد عام كام من الانفصال وعدم توثيق الطلاق، تفاجأت به برفع دعوة إنذار طاعة وتم التعامل معها كأنها زوجة وليست مطلقة.
وكشفت السيدة التي تم تجهيل هويتها بالبرنامج، بعد فترة أن طليقها رفع قضية إنذار للطاعة، قائلة: “فوجأت بعد فترة من المحكمة أنها حكمت عليا بالطاعة درجتين، وبعد كده طليقي رفع عليا دعوة نشوذ، اللي هو طليقي شرعًا وخد حكم نشوذ ولما سلمت نفسي قانونًا هو رفض الاستلام علشان بعدها يطلقني من غير حقوق”.
وأوضحت السيدة خلال “ماما دوت أم”، أنها الآن مُطلقة رسميًا، طلقة واحدة رجعية، ويحق له ردها في أي وقت خلال 3 شهور.
وفي حالة آخرى تم عرضها بالبرنامج، شرحت تضررها من زواجها خلال الخمس سنوات، وطلبت الطلاق، ليكون رد فعله الطلاق الشفهي عدة مرات، ولكن بدون توثيق، قائلة: “هو مطلقني دلوقتي حوالي 4 أو 5 مرات بس أثبتي بقى أنك مطلقة!”.
وكشفت هذه السيدة، المُجهل هويتها، أنه لحد هذه اللحظة، وقت عرض البرنامج في 2024، هي مٌعلقة في هذه الزواجة، بطلاق شفهي غير موثق.
أثر عدم توثيق الطلاق الشفهي على النساء
على الزوج الذي اتخذ قرار الانفصال رسميًا عن زوجته، أن يذهب لتوثيق الطلاق، لأن الزوجة في هذه الحالة تتعرض لظلم بين، فهي لم تعد متزوجة ولا حتى مًطلقة، ولا يصح لها الزواج من آخر، مما يحرمها من حقوقها.
كما أن عدم توثيق الطلاق يجعل السيدة لا تستطيع إثبات نفقة أولادها لتنظيم مسألة المصروفات، والتي يترتب عليها عدة أمور، أهمها عدم تلقي التعليم لعدم إمكانية دفع المصروفات، وهذه هي أبسط الأمور.
بالإضافة لعدم إمكانية الزوجة في اتخاذ العديد من القرارات الخاصة بأولادها، إلى بموافقة الزوج، الذي قام بتطليقها والذهاب بعيدًا، دون أن يثبت طلاقه.
أما الزوجة، فهي أيضًا لا يحق لها إجراء أي عملية جراحية كبرى، مُتعلقة بالرحم أو في شيء من هذا القبيل، إلى بموافقة الزوج والذي هو غير موجود لوقوع الطلاق، فهذا يعرض الزوجة إلى الآذى الجسدي إلى جانب النفسي.
الدكتور عباس شومان، المشرف العام على لجان الفتوى في الأزهر الشريف، أوضح في تصريحات سابقة له، أن الزوجة التي تطلقت طلاق شفهي دون توثيق، لو أقدمت على الزواج تكون قد ارتكبت جناية وتكون عقوبتها السجن، ولذلك يكون لزامًا على الزوج أن يوثق طلاقه لزوجته حتى ولو كان طلاقًا رجعيًا، فإن ردها في عدتها فتكون طلقة معتبرة بناءًا على ما وثقه أمام الجهات الرسمية، وإن امتنع عن ردها في فترة العدة تمكنت المرأة من الزواج.
توثيق الطلاق الشفهي في مقترح قانون الأحوال الشخصي الجديد
قال المستشار عمر مروان وزير العدل، في كلمته باحتفالية المرأة المصرية والأم المثالية لعام 2023، إن مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد يتضمن أحكامًا وموادا قادرة على الحد من حالات الطلاق التي يمكن أن تقع في نسبة الـ3% الموجودة في مصر سنويًا.
وكشف وزير العدل ملامح مشروع القانون الجديد، الذي يتكون من 183 مادة وبصدوره سيتم إلغاء 6 قوانين مرتبطة بالأحوال الشخصية، وجاء من ضمن بنود المقترح، محاولة لحل مشكلة توثيق الطلاق الشفهي، حيث سيتم استحداث إجراءات للحد من الطلاق بصفة عامة.
كما يشمل مقترح القانون الجديد، ضرورة توثيق الطلاق كما هو الحال في توثيق الزواج، وعدم ترتيب أي التزامات على الزوجة إلا من تاريخ علمها به.
بالإضافة إلى إعادة صياغة وثيقتي الزواج والطلاق بما يضمن اشتمالهما على ما اتفق عليه الطرفان عند حالتي الزواج والطلاق.