دائمًا ما ننظر إلى ظاهرة العنف ضد المرأة باعتبارها ظاهرة إجتماعية تؤثر نفسيًا وجسمانيًا على صحة المرأة، ولكن لا ننظر إلى كونها ظاهرة مكلفة اقتصاديًا سواء على المستوى الفردي أو الدولي. فالعنف ضد النساء بشكل عام، ويشمل العنف الأسري، والجنسي، والاتجار بالبشر، وغيرها من أشكال العنف، دائمًا ما يترتب عليه تكاليف اقتصادية في الأمد القصير والطويل، وهي تكاليف يتكبدها الأفراد والجماعات والمجتمعات. ويتطلب إعمال حق المرأة في حياة خالية من العنف نفقات عامة، لحماية المرأة ونظم العدالة الجنائية اللازمة لوقايتهم من الأذى.
ومن خلال هذا الموضوع نوضح لكم ما المقصود بالتكلفة الاقتصادية الناتجة عن ظاهرة العنف ضد النساء، وما تتكبده الدولة من مصاريف لحمايتهن من جميع أشكل العنف.
التكلفة الاقتصادية للعنف ضد النساء
يمكن تقسيم التكاليف الاقتصادية المترتبة على العنف ضد المرأة إلى نوعين: تكاليف مباشرة وتكاليف غير مباشرة. وتقدم منظمة الصحة العالمية التصنيف المفيد التالي لهذين النوعين من التكاليف، التي تنطبق أيضًا على العنف ضد المرأة والأطفال، وإن كانت ترتبط بالعنف عمومًا، بما في ذلك الإصابات غير المتعمدة.
يقصد بالتكاليف المباشرة التي تترتب على العنف ضد المرأة، ما يلي:
- تكاليف تتكبدها نظم الرعاية الاجتماعية تتعلق برصد العنف ضد المرأة، ومنعه وحمايتهم منه.
- تكاليف تتكبدها نظم العدالة الجنائية تتعلق بضمان توقيع العقوبة على مرتكبي العنف ضد النساء، وتوفير الحماية لضحاياه الفعليين أو المحتملين.
- تكاليف تتكبدها نظم الرعاية الصحية، نتيجةً لعلاج الإصابات الجسدية، بالإضافة إلى المشاكل النفسية والسلوكية الناجمة عن تعرض النساء للعنف.
أما التكاليف غير المباشرة الناجمة عن أثر العنف ضد المرأة، فتكون ما يلي:
- تتمثل أهم التكاليف غير المباشرة، والتي تكون أقل وضوحًا، في وجود خسائر في الإنتاجية، والتي تترتب على الطريقة التي يعوق بها العنف إنتاجية النساء.
حساب التكلفة الاقتصادية للعنف ضد المرأة في العالم
هناك عدة دراسات من الهند، والولايات المتحدة، ومصر، توضح التكاليف الاقتصادية الضخمة، على المستوى الجزئي والكلي، التي تنتج من ظاهرة العنف ضد النساء.
ففي الهند تشير الدراسات، إلى أن النساء هناك يمكن أن يخسرن ما لا يقل عن خمسة أيام عمل مدفوعة الأجر عن كل حادثة من حوادث عنف الزوج أو الخطيب، وهو ما يؤدى إلى أن المرأة الهندية المتضررة من هذا العنف ستحصل على 25% أقل من راتبها فى كل مرة تقع فيها حادثة عنف، وهذا على المستوى الفردي.
أما ما يقصد بالتكلفة الاقتصادية على المستوى الكلي، فتشير الدراسات عام 2013، إلى أنه تم حساب التكاليف السنوية لعنف الزوج أو الشريك فى هذا العام، بمبلغ 5.8 مليار دولار في الولايات المتحدة الأمريكية، و 1.16 مليار دولار في كندا، و 11.4 مليار دولار في استراليا، بل إن العنف المنزلي وحده يكلف إنجلترا وويلز حوالى 32.9 مليار دولار.
وبصفة عامة تشير الأبحاث إلى أن تكلفة العنف ضد المرأة يمكن أن تصل إلى نحو 1.75 تريليون دولار في 2019، بما يعادل حجم الناتج المحلي الإجمالي لدولة كبيرة مثل كندا، وبما يمثل نحو 2% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
التكلفة الاقتصادية للعنف ضد المرأة المصرية
في مصر، وطبقًا لتقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء من 2015 وحتى 2020، والذي عرف باسم “مشروع مسح قياس التكلفة الاقتصادية للعنف القائم على النوع الاجتماعي“، فإن حوالى 7.9 مليون امرأة تعرضن للعنف على الأقل مرة واحدة خلال حياتهن من الزوج أو الخطيب أو أحد الأقارب، كما تبين أن حوالى مليون سيدة متزوجة، تضطر سنويًا إلى ترك منزل الزوجية بسبب عنف الزوج لإيجاد سكن بديل بتكلفة إجمالية تقدر بحوالى 585 مليون جنيه.
كما أوضحت الدراسة نفسها أن السيدات وأسرهن يتحملن ما قيمته 1.5 مليار جنيه مصري، نتيجة حوادث عنف الزوج أو الخطيب منها 813 مليون جنيه تكاليف مباشرة متمثلة في تكاليف علاج وتقديم المشورة والخدمات الأخرى ذات الصلة مثل تكاليف رفع الدعاوي القضائية وإجراءاتها، و662 مليون جنيه تكاليف غير مباشرة متمثلة في الأجور المفقودة والإنتاجية والإمكانيات المهدرة.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن العنف الأسري الذي يشمل العنف المنزلي والعنف بين الأزواج، قد يتسبب في المزيد من الوفيات، والذي ويترتب عليه تكاليف اقتصادية باهظة لأي مجتمع أعلى بكثير من تكاليف الحروب الأهلية، وذلك وفقًا لما ذكره الدكتور محمود السعيد، عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، في مقال نشر في مايو 2022، بعنوان ” التكلفة الاقتصادية للعنف ضد المرأة”، على موقع جريدة الأهرام.
والجدير بالذكر، أن مسح الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء لقياس التكلفة الاقتصادية للعنف القائم على النوع الاجتماعي، بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان، قد غطي جميع محافظات جمهورية مصر العربية، عدا محافظات الحدود، وقد أظهرت نتائج هذا المسح أن الدولة تتحمل حوالي 8 مليار جنيه من ميزانيتها لمعالجة ظاهرة العنف ضد المرأة.
دور الدولة في التصدي للعنف القائم ضد النساء
حرصت الدولة على رفع مكانتها فى المجتمع ودعمها فى كل خطط الدولة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مع التوجيه بتنفيذ كل الاتفاقيات الخاصة بالتصدى لكل أشكال العنف والتمييز ضد المرأة.
كما أن هناك مشروع قانون موحد لمكافحة العنف ضد المرأة، والتي قدمته النائبة نشوى الديب، عضو مجلس النواب، لمناقشته ونأمل سرعة الموافقة عليه، لتنفيذه على أرض الواقع، حيث إنه يشمل عددًا من العقوبات الصارمة لمواجهة كل أشكال العنف التي تتعرض لها النساء من داخل وخارج الأسرة، ليكون الموافقة على هذا القانون بمثابة خطوة أولى قوية لمواجهة الآثار الاجتماعية والاقتصادية للعنف ضد المرأة.