دائمًا ما يأتي في أذهان الرجال عندما نتحدث عن “عمل النساء”، أنه بالتأكيد نقصد أعمال الرعاية المنزلية، التي تشمل المهام المنزلية اليومية من تنظيف، وتحضير الطعام، ورعاية للأطفال وللزوج، وبالإضافة إلى رعاية كبار السن في حال أنها كانت تعيش مع أفراد منهم، ولم يأتي في أذهانهم أبدًا امتهان النساء لأعمال مختلفة كالهندسة أو الصحافة أو حتى الطب أو النجارة. فلماذا يتم حصر النساء في أعمال الرعاية المنزلية غير مدفوعة الأجر؟
إن الأعمال المنزلية اليومية ترهق كاهل كل إمرأة، بالإضافة إلى إنها تنشغل بها على حساب مهنتها الأساسية، وهذا يأتي عليها بضرر مالي، لتقصيرها في العمل المهني، ليعد هذا شكل من أشكال الأعباء الاقتصادية، إلى جانب العبء النفسي الكبير لإتمام هذه المهام المنزلية اليومية، دون مساعدة من الزوج. وتتضاعف معاناة السيدات في تنفيذ هذه الأعمال المنزلية مع وجود الأطفال.
فأعمال الرعاية المنزلية دائمًا ما تعيق النساء في الحصول على فرص عمل حقيقية، مما يرتبط دائمًا الفقر بالنساء.
وقد أثبتت عدد من الدراسات العلمية أن المرأة التي لا تعمل قد تتجاوز ساعات الأعمال المنزلية التي تؤديها ساعات المرأة العاملة، وكل هذا المجهود بدون أجر أو حتى تقدير بسيط من الزوج والأولاد، لتكون هذه القضية محور شاغل لمؤسسات حقوق المرأة.
وخلال شهر نوفمبر الماضي، كنا قد سلطنا الضوء على مشكلة العنف المنزلي والذي يدخل من ضمنها أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر، وذلك من خلال حملة “السكوت مش علامة الرضا” التي قد أطلقتها مبادرتنا صوت لدعم حقوق المرأة ضمن حملة الـ16 يوم لمناهضة العنف، التي أطلقتها منظمة الامم المتحدة، وتحتفل بها في الفتر بين 25 نوفمبر إلى 10 ديسمبر من كل عام.
أرقام صادمة عن أعمال الرعاية المنزلية غير مدفوعة الأجر للنساء
كشفت دراسة أعدتها الباحثة المصرية والخبيرة الاقتصادية، الدكتورة سلوى العنتري، بعنوان “تقدير العمل المنزلي غير المدفوع للنساء في مصر”، عام 2015، والتي صدرت عن مؤسسة المرأة الجديدة، الفجوة الكبيرة بين عدد ساعات العمل المنزلي لكل من النساء والرجال، حيث يبلغ متوسط عدد ساعات العمل المنزلي الأسبوعية للنساء في مصر 30.25 ساعة، مقابل 4.19 ساعات للرجال في الأسبوع.
فقد أوضحت الدراسة أن “الزواج يؤدي إلى زيادة عبء العمل المنزلي غير مدفوع الأجر للنساء”، حيث أن متوسط ساعات العمل المنزلي غير مدفوع الأجر للنساء المتزوجات يقدر بنحو 37.27 ساعة في الأسبوع، مقابل 13.80 ساعة لغير المتزوجات.
وتوصلت الدراسة إلى أن أعمال الخدمة المنزلية تستأثر بالجزء الأكبر من وقت النساء المبذول في العمل المنزلي غير المدفوع، حيث تستغرق نحو 47% من إجمالي الوقت بواقع 14 ساعة أسبوعيًا، مقابل 0.27 ساعة للرجال.
وبحسب دراسة أجرتها منظمة “أوكسفام” في تونس، بالتعاون مع الجمعية التونسية للنساء من أجل البحث والتنمية، نجد أن عدد كبير من النساء تقضي حوالي من 8 إلى 12 ساعة يوميًا في أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر (تختلف حسب أعمارهنّ ووضعيتهن الأسريّة والاقتصادية ومكان السكن)، مقابل مُعدل 45 دقيقة للرجال (حسب وضعيتهم الأسريّة والاقتصاديّة).
أي أنه تقضي النساء في أعمال الرعاية المنزلية بين 33% إلى 50 % من وقتهم يوميًّا، مقابل 3% فقط للرجال.
وبحسب نتائج الدراسة في تونس، التي نشرتها وزارة الأسرة والمرأة والطفولة والمُسنين، قُدرت قيمة هذه الأعمال غير المأجورة بِحوالي 23.8 مليار دينار تونسي.
الأمم المتحدة عن أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر
في 2013، دعت خبيرة مستقلة بمنظمة الأمم المتحدة، الدول للاعتراف بالرعاية غير مدفوعة الأجر باعتبارها قضية رئيسية من قضايا حقوق الإنسان، وأشارت إلى أن أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر هي أساس كل مجتمعاتنا، وهي حاسمة لتحقيق النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية.
وفي 29 أكتوبر عام 2022، ضمن احتفالات الأمم المتحدة في اليوم الدولي للرعاية والدعم، قالت: “إن أعمال الرعاية، مدفوعة الأجر وغير مدفوعة الأجر، هي من الأمور بالغة الأهمية لمستقبل العمل اللائق. فتزايد أعداد السكان، وشيخوخة المجتمعات، وتغير تكوين الأسر، والحالة الثانوية للمرأة في أسواق العمل، وأوجه القصور في السياسات الاجتماعية تتطلب جميعها اتخاذ العمل العاجل في ما يتصل بتنظيم الحكومات وأصحاب العمل والنقابات العمالية والمواطنين الأفراد أعمال الرعاية. ومالم يُعالج العجز الحالي في إتاحة خدمات الرعاية وجودتها، فسيؤدي ذلك إلى نشوء أزمة رعاية عالمية حادة وزيادة وجوه التفاوت بين الجنسين في مجالات العمل”.
وتابعوا في رسالتهم: “أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر هي أعمال رعاية مقدمة بدون عوائد مالية للقائمين على تلك الأعمال. والرعاية غير مدفوعة الأجر هي عمل، وبالتالي فهي بُعد حاسم في عالم العمل. ويُقدم العاملون في مجال أعمال الرعاية تلك الخدمات مقابل أجر أو عائد مالي. وهم يمثلون طائفة واسعة من العاملين في الخدمة الشخصية، من مثل الممرضات والمعلمين والأطباء والعاملين في مجال الرعاية الشخصية. والعمال المنزليون، الذين يقدمون الرعاية المباشرة وغير المباشرة في البيوت، هم كذلك جزء من القوى العاملة في مجال الرعاية”.
توصيات لمواجهة أعمال الرعاية المنزلية غير مدفوعة الأجر
- ضرورة الأعتراف بأعمال الرعاية المنزلية ، وإعادة توزيع المهام المنزلية بشكل أكثر إنصافًا بين الرجال والنساء.
- توفير العمل الذي يتناسب مع السيدات التي تقوم بأعمال رعاية منزلية، براتب مُجزي، في محاولة لعمل توازن إقتصادي للمرأة.
- تحقيق المساواة في الأجور بين الجنسين، ليكون هناك تكافأ بين النساء والرجال.
- عمل ندوات وورش توعية لتعريف الجميع بأعمال الرعاية المنزلية وكيف تستنفذ وقت ومجهود كبير من النساء.