هناك بعض الأحكام في القانون المصري، يضيع فيها حق النساء بمختلف أعمارهن، من حيث توقيع عقوبات مخففة مثلًا على الرجال دون النساء في أنواع معينة من القضايا، مثل عقوبات الزنا وممارسة الجنس التجاري “الدعارة”، وغيرها من الأحكام بالقانون التي نلاحظ فيها تمييز سلبي ضد النساء على حساب الرجال، وهذا ما سلطنا الضوء عليه بالتفصيل من خلال مبادرتنا “صوت لدعم حقوق المرأة”، خلال شهر مايو الجاري، بالتفصيل.
وبخصوص التسريب من التعليم، بهدف تزويج الطفلات في عمر مبكر أو تشغيلهن في المنزل، أو بأعمال الزراعة، في سبيل منح الأفضلية للذكور في التعليم، وخصوصًا في الصعيد والمناطق الريفية، بمساعدة الأهالي، هي واحدة من الأمور التي يتهاون القانون فيها بحق المرأة. فعندما كان التخفيف في القانون في أحد العقوبات التي تمس المرأة من قريب أو بعيد، كان هذا التخفيف غير منصفًا للمرأة، فنجد أن عقوبة التسريب من التعليم غير رادعة بالمرة، وهو ما يفتح الباب على مصرعيه لتهاون الأهالي في حق بناتهن والتسهيل في عملية تسريبهن من التعليم.
عقوبة قانون التسريب من التعليم دون عذر
حدد قانون التعليم رقم 139 لسنة 1981، غرامة 10 جنيهات للتلميذ/ة المتغيب عن الدراسة دون أعذار، حيث نصت المادة 21 من القانون على: “يعاقب بغرامة مقدارها عشرة جنيهات والد الطفل أو المتولى أمره إذا تخلف الطفل أو انقطع دون عذر مقبول عن الحضور إلى المدرسة خلال أسبوع من تسلم الكتاب، وذلك وفق المنصوص عليه في المادة (19) من هذا القانون.
وتتكرر المخالفة وتتعدد العقوبة باستمرار تخلف الطفل عن الحضور أو معاودته التخلف دون عذر مقبول بعد إنذار والده أو المتولي أمره.
ووفقًا لمقترح تعديل قانون مواجهة التسرب من التعليم، في عام 2022، يعاقب بغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تزيد علي 1000 جنيه لوالد الطفل أو المتولي أمره إذا تخلف الطفل أو انقطع دون عذر مقبول عن الحضور إلى المدرسة خلال أسبوع من تسلم الكتاب المنصوص عليه، وذلك وفقًا للمادة 19 من قانون التعليم.
وهذه العقوبة غير رادعة لمواجهة ظاهرة تسرب الفتيات من التعليم، فلم يمانع معظم الأهالي من دفع هذا المبلغ الزهيد في مقابل تسريح الفتيات وعدم إكمال تعليمهن، ومساعدة الأهالي في المنزل بأعمل غير مدفوعة الأجر، أو تزويج الطفلات لرجال بعمر أكبر منهم بكثير، وتعريض الفتيات لخطر الحمل والولادة، وغيرها من المخاطر المترتبة على تسريب الفتيات من التعليم.
رفض المقترح البرلماني لتغليظ عقوبة منع التسريب من التعليم
في مطلع 2022 رفض مجلس النواب برئاسة المستشار حنفي جبالي، تعديلات قانون التعليم المقدمة من الحكومة، بخصوص المادة 21 من قانون التعليم الصادر بالقانون رقم 139 لسنة 1981، والتي استهدفت تغليظ عقوبة غياب الطلاب عن المدرسة برفع الغرامة من 10 جنيهات إلى 500 جنيه كحد أدنى، و1000 جنيه كحد أقصى، مع الحرمان من بعض الخدمات الأخرى.
وأشار عضو اللجنة التشريعية بمجلس النواب عاطف المغاوري، في وقتًا سابق، إلى أن مشروع القانون كان نيته خيرًا في القضاء على الظاهرة، لكن بنوده كانت تمثل عبء على أولياء الأمور، لذلك من الصعب العودة له مرة أخرى، كما أن المشكلة لا تعاني من قصور تشريعي حتى نلجأ له.
أسباب رفض البرلمان لمقترح تغليظ عقوبة منع التسريب من التعليم
أكدت لجنة التعليم برئاسة الدكتور سامي هاشم، رفضها للقانون بالاجماع، وتضمن تقرير اللجنة، الأسباب التى أدت إلى رفض اللجنة للقانون، والتي شملت الآتي:
- عدم وضوح فلسفة التعديل المطلوب في ظل الظروف الاجتماعية التي تمر بها البلاد في ظل انتشار جائحة كورونا، خاصة وأنه كانت هناك قرارات وزارية سابقة باعتبار حضور الطلبة للمدارس اختيارى، وأن هناك تصريح أيضاً من وزير التعليم بأن نسبة الحضور بلغت 98% للطلاب بالمدارس.
- أن أركان نظام التعليم الأساسية مدرسة ومعلم وطالب والمادة العلمية تعانى من خلل واضح لأسباب متعددة أفصح الوزير عن بعض منها، وبالتالي فمن غير الملائم أن يخرج قانون يستهدف أحد أركان المنظومة دون معالجة حقيقية لباقى المنظومة وأهمها حل مشكلة المعلمين وتواجدهم بالمدارس ومعالجة الدروس الخصوصية والسناتر وغيرها من المشاكل.
- ارتأى أعضاء اللجنة وجود شبهة جدية بعدم الدستورية في مشروع القانون من عدة نواحى منها المخالفة للالتزام الدستور بتحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين دون تمييز فالنص المقترح يتضمن تعليق أو منع استفادة المحكوم عليه مؤقتًا من خدمات المرافق العامة التي تقدمها الجهات الحكومية والهيئات العامة ووحدات القطاع العام وقطاع الأعمال العام المرتبطة بنشاطه المهنى إذ يتعين المساواة بين جميع المواطنين إزاء الانتفاع بالمرافق العامة ممن يتساوى في الأحوال والظروف وأن التفرقة بينهما تنطوي على إخلال بمبدأ المساواة. وأنه لا يجوز لأي من السلطتين التشريعية أو التنفيذية مباشرة اختصاصاتها التشريعية بما يخل بالحماية المتكافئة التي كفلها الدستور للحقوق جميعها. وأنه من ناحية أُخرى لا يجوز للسلطة التشريعية التفويض في اختصاصاتها بمنح وزير العدل بتحديد الخدمات التي يجوز حرمان المحكوم عليه من الاستفادة منها والتي من بينها خدمات المرافق العامة والتي لا يجوز للسلطة التشريعية التفويض فيها وفقًا للمستقر عليه قضاءً على النحو المُشار إليه.
- ومن المطاعن التي ارتأتها اللجنة أيضًا تكرار العقوبة (من 500 جنيه إلى 1000 جنية) بما يُعد غلواً في توقيع الجزاء بالمخالفة للمستقر عليه دستوريًا من وجوب التناسب بين الفعل المؤثم والعقوبة ، فضلاً عن أن تكرار العقوبة كلما تعدد الانقطاع على النحو المقترح فيه إجحاف لأولياء الأمور، ولا يتحمله ولا يرتضيه المواطن المصرى.
مقترح برلماني جديد لمنع التسرب من التعليم
في مطلع عام 2024 الحالي، أصدر وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، قرارًا يقضي بتشكيل فرق معالجة للتسرب من التعليم في مختلف المديريات التعليمية على مستوى الجمهورية، من أجل التصدي لهذه الظاهرة ومواجهة أسبابها ووضع حلول لها.
وأكد برلمانيون في تصريحات خاصة لموقع “تليجراف مصر”، أن هذه الظاهرة من الظواهر التي تهدد المنظومة التعليمية، منوهين عن أهمية شروع الحكومة في حلها، وضرورة أن يتم ذلك وفقًا لرؤى واضحة مع الاستفادة من تجارب الدول الأخرى في مجابهة التسرب.
قال عضو اللجنة التشريعية بمجلس النواب عاطف المغاوري، إن مواجهة ظاهرة التسرب من التعليم من الأمور بالغة الأهمية، موضحا خطورتها في التأثير على بنية المجتمع وعرقلة تقدمه، لما تتسبب فيه من زيادة الأمية الجهل ومعدلات البطالة والفقر.
ويرى “المغاوري”، أن هذه الظاهرة متشابكة، الظاهرة لتعدد أسبابها الاجتماعية والثقافية والمعيشية، منوها أن العقوبة لن تجدي، ولكن الأهم أن يكون هناك حوافز مادية وعينية، ويتم صرفها وفقًا لدراسة الحالة الاجتماعية للأسرة.
وأوضح “المغاوري” أن: “زيادة نسب التسرب المدرسي سببه الرئيسي الفقر وتدني الأوضاع الاقتصادية للأسر، وهو ما يدفع أولياء الأمور استغلال أطفالهم في العمل بدلًا من تعليمهم”.
ختامًا، لابد أن يكون هناك عقوبة رادعة لمكافحة ظاهرة التسريب من التعليم، والتي تطال الفتيات خاصةً، لعدة أسباب ذكرناها سابقًا، وأهمها الزج بالفتيات لتزويجهن مبكرًا وتحملهن مسؤلية منزل على عاتقهن وحدهن، وذلك بخلاف آلام الحمل والولادة المبكرة.