يصادف الثالث والعشرين من مايو من كل عام، اليوم العالمي لمكافحة ناسور الولادة، وهو حالة مرضية تحدث بسبب المخاض الطويل، ومع غياب العلاج الطبي عالي الجودة في عدد كبير من البلاد، وخاصة النامية منها، أحيانًا لم تدرك الأم نفسها أنها مصابة بهذا المرض الخطير، ويتعامل معها الأهالي بجهل شديد، حيث تقول أحدهم، وهي سيدة من تشاد بعد إصابتها بناسور الولادة، أن أهلها جلدوها لأنهم اعتقدوا أن الشيطان تلبسها، وهذا وفق لاستضافة برنامج “دنيانا” على قناة BBC News عربي، لعدد من الحالات المصابة بهذا المرض.
والناسور هو حالة طبية يمكن الوقاية منها؛ ويمكن تجنبها بتأخير سن الحمل الأول؛ ووقف الممارسات التقليدية الضارة؛ وإتاحة خدمات رعاية التوليد الآمنة، وذلك بحسب منظمة الأمم المتحدة.
وعلى الرغم من التحسن في سلامة الحمل بشكل عام، لا تزال الأنظمة الصحية والمجتمعات تواجه صعوبة في ضمان ولادة آمنة، مما يؤدي إلى إصابة عشرات الآلاف من النساء والفتيات بإصابات مثل ناسور الولادة سنويًا.
ما هو ناسور الولادة؟
هو ثقب بين قناة الولادة والمثانة أو المستقيم بسبب المخاض الطويل والعَسِر في ظل غياب علاج طبي عالي الجودة في الوقت المناسب. وتتسبب هذه الحالة الطبية في تسرب البول أو البراز أو كليهما في من يعانين منها، وغالباً ما تؤدي إلى مشاكل طبية مزمنة فضلًا عن الاكتئاب والعزلة الاجتماعية وتفاقم الفقر.
وبحسب الأمم المتحدة، فإن 90% من النساء اللواتي يصبن بناسور الولادة، يلدن جنينا ميتًا. كما يتسبب هذا المرض، في حدوث سلس البول عند النساء، مما قد يؤدي إلى العزلة الإجتماعية والإلتهابات ومشاكل الكلى وأحيانًا الوفاة إذا تركت دون علاج.
أنواع ناسور الولادة
هناك العديد من أنواع الإصابة بمرض ناسور الولادة، فعلى الرغم من أن النوع الأكثر شيوعًا هو ثقب بين قناة الولادة والمثانة ويسمى بـ”الناسور المثاني المهبلي”، فإن هناك أنواع آخرى، وتشمل:
- الناسور المستقيمي المهبلي: ثقب بين قناة الولادة والمستقيم.
- الناسور الإحليلي المهبلي: ثقب بين قناة الولادة والإحليل.
- الناسور الحالبي المهبلي: ثقب بين قناة الولادة والحالب.
- الناسور المثاني: ثقب بين المثانة والرحم.
- أنواع تحدث أثناء العمليات الجراحية مثل استئصال الرحم والولادة القيصرية، بسبب تدني مستوى الرعاية الصحية وعدم كفاية التدريب أو الكفاءة الجراحية.
- حالات الناسور الناجمة عن الصدمة بسبب العنف الجنسي، ولا سيما في مناطق النزاع.
حلول لمكافحة الإصابة بناسور الولادة
قدمت منظمة الأمم المتحدة عدد من الحلول البسيطة التي يمكن من خلال مكافحة الإصابة بهذا المرض الذي يجهله الكثيرون، وتتمثل الحلول في الآتي:
- الحصول على خدمتي رعاية التوليد وحديثي الولادة عاليتا الجودة في حالات الطوارئ.
- وجود المهنيين المدربين في مهارات القبالة عند الولادة.
- إتاحة وسائل منع الحمل الحديثة.
وتوضح منظمة الأمم المتحدة في حملتها لإنهاء ناسور الولادة، أنه ربما قللت النظم الصحية من الناسور بتتبع انتشاره، وتصحيح الثغرات الموجودة في نظم الرعاية، وضمان وجود المهنيين الصحيين المختصين، وهي كلها طرق لمحاولة القضاء على الإصابة بناسور الولادة.
كما يجب أن تعالج الخطط الصحية الوطنية كذلك عامل التمييز بين الجنسين والعوامل الأخرى التي تزيد من عرضة النساء والفتيات للوفيات والأمراض النفاسية.
معاناة المصابات بناسور الولادة
“سيدة يمنية من أسرة فقيرة بالريف تركها زوجها بعد مرضها بناسور الولادة ولم يستطع أهلها تحمل نفقة علاجها فأسكنوها بجانب المواشي”، وهذا بحسب ما نشره برنامج “دنيانا” على قناة BBC News عربي، فهناك ملايين النساء على مستوى العالم، وتحديدًا في الدول الفقيرة طبيًا، لم تصنف إصابتها منذ البداية بـ”الناسور”، فضلًا عن تكلفة العلاج الباهظة.
وتشير التقديرات، بحسب منظمة الأمم المتحدة إلى أن هناك حوالي نصف مليون امرأة وفتاة في 55 دولة في أفريقيا جنوب الصحراء، وآسيا، ومنطقة الدول العربية، وأمريكا الاتينية، ومنطقة البحر الكاريبي، يعانين من الناسور، وفضلًا عن ذلك، تقع آلاف الحالات الجديدة في كل عام.
كما توضح منظمة الأمم المتحدة، أنه مقابل كل حالة تتوفى فيها الأم، تتعرض من ٢٠ إلى ٣٠ امرأة إضافية لإصابات الولادة التي تؤثر بشكل كبير على جودة حياتهن ورفاههن.
وتقول الفتاة الباكستانية “راضية شمشاد”، وفقًا لمنظمة الأمم المتحدة، أنها تزوجت وهي في الثالثة عشرة من عمرها وأصبحت حاملًا، وقد أصيبت بناسور الولادة بعد معاناة مع الولادة المتعسرة، لمدة أربعة أيام، بمساعدة طبية غير ماهرة، وولدت ابنتها ميتة.
وبعد أن استغرق العلاج سنوات، بعد عمليات جراحية متعددة، تقول “شمشاد”: “ما من امرأة تستحق أن تعيش في بؤس. خاصة عندما يكون المرض قابلًا للعلاج”.
فكما أوضحنا أن الفتيات التي تتزوج بسن صغير، هن الفئة الأكثر تعرضًا للإصابة بهذا المرض، لأن أجسادهن قد لا تكون جاهزة للولادة.
وبحسب منظمة الأمم المتحدة، يحدث الناسور لتسعة من كل عشر حالات ولادة للفتيات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 15 و19 عامًا المتزوجات.
في جميع أنحاء العالم، تعد مضاعفات الحمل والولادة السبب الرئيسي للوفاة بين الفتيات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 15 و19عامًا، ويعد هذا سببًا إضافيًا يدفع صندوق الأمم المتحدة للسكان للعمل على القضاء على ظاهرة تزويج الطفلات.
ناسور الولادة في مصر
وتقليلًا للذعر لدى السيدات الحوامل في مصر، كنا قد حصلنا على تصريح خاص من الدكتورة ماريا حلمي، طبيبة أمراض النساء والتوليد بسوهاج، لصوت لدعم حقوق المرأة، توضح فيه مدى إمكانية الإصابة بناسور الولادة في مصر، لتوضح لنا أنه نادرًا ما تحدث حالات إصابة بناسور الولادة في مصر، ولكنه محتمل حيث تعود أسباب التعرض للإصابة بالناسور للطفلات الصغيرات أثناء ولادتهن المتعرثة أو في المنزل بدون تدخل طبي صحيح مما يؤثر على صحتهن ويمتد الضرر لتعثر الولادة التي تليها لنفس الفتاة وبعض الحالات معرضة للموت إذا لم يتم علاجها من الناسور.
وأكدت أنه من ضمن إجراءات العلاج عملية جراحية يقوم بها أطباء النساء والتوليد وأطباء الجراحة العامة، حيث يعد هذا التدخل الجراحي حلًا مناسبًا لعلاج ناسور الولادة، ورجحت أنه من المحتمل أن تتكرر الإصابه به عند الولادة مرة أخرى أو عدم إصلاح تمزقات الولادة بطريقة صحيحة و إهمال العلاج.
حملة صندوق الأمم المتحدة للسكان للقضاء على ناسور الولادة
قدم صندوق الأمم المتحدة للسكان على مدى العقدين الماضيين ١٤٠٠٠٠ عملية جراحية لإصلاح الناسور؛ وحصلت أكثر من ١٢٠٠٠ امرأة وفتاة على دعم إعادة الاندماج الاجتماعي بين عامي ٢٠١٨ و ٢٠٢٣.
ففي عام ٢٠٠٣، أطلق صندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA) وشركاؤه حملة عالمية للقضاء على الناسور، تماشيًا مع الأهداف الدولية لتحسين صحة الأم والمولود، وبهدف جعل ناسور الولادة نادر الانتشار في البلدان النامية كما هو في العالم المتقدم.
وتمثل الحملة الذي أطلقها صندوق الأمم المتحدة للسكان لإنهاء ناسور الولادة، منذ 21 عامًا، التزامًا عالميًا بالوقاية من الناسور والعلاج الشامل له، بما في ذلك الإصلاح الجراحي وإعادة الإدماج الاجتماعي وإعادة التأهيل. ومع ما أُحرز من تقدم، إلا أن القضاء الحاسم على هذه الحالة الطبية بحلول عام ٢٠٣٠ يتطلب عملًا عاجلًا وفعالًا وبدون تأخير، وذلك وفقًا لما صرحوا به.
وفي عام ٢٠١٨، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار يقضي بالقضاء عليه بحلول عام ٢٠٣٠.
ويؤكد صندوق الأمم المتحدة للسكان، أن القضاء على الناسور على مستوى العالم، يتطلب قيادة سياسية قوية، وتدخلات استراتيجية وعاجلة، وزيادة كبيرة في الموارد، وتعزيز التعاون بين الحكومات والشركاء والمجتمع المدني ومقدمي الرعاية الصحية والنساء والمجتمعات.
مرض ناسور الولادة قابل للعلاج
بحسب تقرير منظمة الأمم المتحدة في اليوم العالمي لإنهاء ناسور الولادة عام 2022، فإن مرض الناسور يمكن علاجه، حيث يمكن إغلاق ما يصل إلى 95 % من الناسور بالجراحة.
ولكن على الرغم من إمكانية علاج الناسور بسهولة، إلا أنه مكلف جدًا، لذا تتعرض آلاف النساء في الدول النامية والفقيرة إلى الوفاة بسبب عدم المقدرة على تكلفة العلاج. حيث تبلغ تكلفة الإصلاح الجراحي 600 دولار، بحسب تقرير منظمة الأمم المتحدة، وهو أمر بعيد عن متناول معظم النساء المصابات بالناسور.
ومنذ إطلاق صندوق الأمم المتحدة للسكان، لحملة القضاء على الناسور عام 2003، فقد قدم الدعم لأكثر من 121 ألف عملية علاج، حتى عام 2022، ودرب الآلاف من العاملين الصحيين على برامج الوقاية من الناسور وعلاجه.
قبل النظر إلى طرق العلاج وتكلفته الباهظة، علينا محاولة منع الإصابة بناسور الولادة منذ البداية، ويرجع هذا بنسبة كبيرة إلى عدة عوامل مجتمعية بالأساس، أهمها: منع تزويج الطفلات مبكرًا، وبالتالي عدم التعرض للحمل مبكرًا، وهذا بالإضافة لضرورة التمسك بحق تعليم الفتيات، وتمكينهم اقتصاديًا واجتماعيًا، فهذا هو السبيل الأول للقضاء على الناسور.