يُحتفل باليوم العالمي للصحة النفسية في 10 أكتوبر من كل عام، وهو مناسبة هامة لتعزيز الوعي بقضايا الصحة النفسية، وتسليط الضوء على التحديات التي تواجه الأفراد في حياتهم اليومية. تم الاحتفال بهذا اليوم لأول مرة في عام 1992، حيث أطلقه الاتحاد العالمي للصحة النفسية بقيادة نائب الأمين العام “ريتشارد هانتر” ، وذلك بهدف رفع مستوى الوعي العالمي حول أهمية الصحة النفسية وتحفيز الجهود لتوفير الدعم والرعاية اللازمة للأفراد الذين يعانون من مشاكل نفسية.
في هذا العام 2024، يتركز الاحتفاء بهذا اليوم تحت عنوان “الصحة النفسية في مكان العمل”، مما يشدد على أهمية توفير بيئات عمل صحية وآمنة. ومن منظور نسوي، تعتبر قضايا الصحة النفسية ذات أهمية خاصة، حيث أن النساء والفتيات غالبًا ما يواجهن تحديات إضافية تؤثر على صحتهن النفسية، سواء في بيئات العمل المختلفة أو في حياتهن الشخصية.
الصحة النفسية في سياق العمل
منظمة الصحة العالمية تسلط الضوء على ضرورة العمل معًا لتحسين الصحة النفسية في أماكن العمل. إذ أن 60٪ من سكان العالم يعملون، فمن الضروري توفير بيئات عمل تعزز الصحة النفسية وتحميها، ووفقًا لتقرير المنظمة، يعاني حوالي 1 من كل 6 أشخاص بالغين من مشاكل الصحة النفسية في أي نقطة زمنية، مما يشير إلى أن الوضع يتطلب اهتمامًا عاجلاً.
ومع ذلك، يعاني العديد من النساء من ظروف عمل غير مواتية، مثل التمييز والتحرش، مما يزيد من مخاطر اعتلال الصحة النفسية، في هذا السياق، أطلقت منظمة العمل الدولية حملة للتأكيد على الحق في بيئة خالية من العنف والتحرش، مشددة على أن هذه الظواهر تؤثر بشكل خاص على النساء في أماكن العمل. حيث أن الاتفاقية رقم 190 لمنظمة العمل الدولية تعرف العنف والتحرش بأنه “نطاق من السلوكيات والممارسات غير المقبولة” التي تهدف إلى إلحاق ضرر جسدي أو نفسي. كما تؤكد أن جميع الأفراد لهم الحق في بيئة عمل آمنة.
الأثر السلبي للأزمات على الصحة النفسية
تعيش النساء والفتيات في جميع أنحاء العالم تحت وطأة الأزمات المختلفة، سواء كانت نزاعات مسلحة كوارث طبيعية، أو أزمات اقتصادية. هذه الأزمات تؤثر بشكل مباشر على صحة النساء الجسدية والنفسية، حيث يواجهن صدمات نفسية نتيجة العنف القائم على النوع الاجتماعي. وفقًا لتقرير منظمة الصحة العالمية، 25% من النساء يتعرضن للعنف الجسدي أو الجنسي من قبل شريك حميم، مما يزيد من معدلات الاكتئاب والقلق.
وبحسب بيانات صندوق الأمم المتحدة للسكان مؤخرًا، تعاني النساء من القلق والاكتئاب بمعدلات أعلى، حيث يُقدر أن 1 من كل 4 نساء يعانين من اضطرابات نفسية في مرحلة ما من حياتهن.
الصحة النفسية وختان الإناث
ختان الإناث يُعد أحد أبرز الممارسات الصحية المؤذية التي تؤثر سلبًا على الصحة النفسية للنساء والفتيات في العديد من المجتمعات. تُعرف هذه الممارسة بأنها عملية تشويه للأعضاء التناسلية الأنثوية تُجرى لأسباب ثقافية أو اجتماعية، لكنها غالبًا ما تتم دون موافقة الفتيات، مما يترك آثارًا نفسية طويلة الأمد.
تتعرض الفتيات اللاتي يخضعن لهذه العملية لصدمات نفسية شديدة تبدأ من لحظة الخضوع للجراحة القسرية وتمتد إلى آثار اجتماعية ونفسية طويلة الأمد. تُشير الدراسات إلى أن النساء اللواتي خضعن لهذه الممارسة يعانين من اضطرابات نفسية مثل اضطرابات ما بعد الصدمة (PTSD)، القلق، والاكتئاب. بالإضافة إلى ذلك، يؤدي ختان الإناث إلى مشاكل جسدية مستمرة تؤثر سلبًا على الصحة النفسية والجنسية للمرأة، مثل الألم المستمر والمضاعفات الصحية التي تذكر المرأة باستمرار بالتجربة القاسية.
في الكثير من الحالات، يتعرضن النساء اللواتي مررن بهذه التجربة إلى مشاعر العزلة الاجتماعية والخجل نتيجة الوصم المجتمعي، حيث تُعتبر بعض المجتمعات أن الختان “عفة وطهارة” للمرأة. هذا يزيد من الضغوط النفسية على المرأة ويجعل طلب المساعدة النفسية أكثر صعوبة. علاوة على ذلك، فإن الفتيات اللواتي يرفضن هذه الممارسة قد يواجهن وصمًا وضغوطات عائلية ومجتمعية شديدة، مما يزيد من احتمالية إصابتهن بمشاكل نفسية نتيجة التوتر والصراع الداخلي.
الوصم والتحديات في الحصول على الدعم
الوصم المرتبط بالصحة النفسية يشكل حاجزًا كبيرًا أمام النساء اللواتي يسعين للحصول على المساعدة. وفقًا لدراسة أجرتها مؤسسة “Mental Health America”، أفاد 70% من المشاركين/ات بأنهم يشعرون بالوصم نتيجة لمشاكلهم النفسية، مما يدفع النساء إلى تجنب الحديث عن معاناتهم. لذا، من المهم تغيير السرد حول الصحة النفسية، وتوفير بيئات آمنة حيث يمكن للنساء التعبير عن مشاعرهن وطلب الدعم.
توصيات حول تعزيز الصحة النفسية للنساء في مكان العمل
- زيادة الوعي والتثقيف: ينبغي إجراء حملات توعية لتثقيف العاملين وأرباب العمل حول أهمية الصحة النفسية وكيفية دعم الموظفين، وخاصة النساء، في مكان العمل.
- توفير الدعم النفسي: يجب أن تتوفر خدمات الدعم النفسي في أماكن العمل، مثل جلسات المشورة والتوجيه، لتسهيل الوصول إلى المساعدة للنساء اللواتي قد يتعرضن لضغوط نفسية.
- تدريب المديرين: ينبغي توفير برامج تدريبية للمديرين لتعزيز الوعي بقضايا الصحة النفسية وكيفية التعرف على علامات القلق والاكتئاب في فرقهم.
- تبني سياسات مرنة: يمكن أن تسهم ساعات العمل المرنة أو سياسات العمل عن بعد في تحسين الصحة النفسية، مما يتيح للنساء التوازن بين العمل والحياة الأسرية. تشير الدراسات إلى أن العمل عن بعد يمكن أن يقلل من مستويات القلق بنسبة تصل إلى 30%.
- تشجيع الدعم المجتمعي: من المهم تعزيز دور المجتمع في تقديم الدعم للنساء اللواتي يعانين من مشاكل نفسية، سواء من خلال مجموعات الدعم أو المبادرات المجتمعية.
في اليوم العالمي للصحة النفسية 2024، توصي مبادرة” صوت لدعم حقوق المرأة” بأهمية العمل على تعزيز الصحة النفسية للنساء وخلق بيئات عمل صحية تشمل الجميع. تتطلب هذه المهمة تضافر الجهود بين الحكومات، وأرباب العمل، والمجتمع المدني، لضمان أن يصل الدعم لجميع النساء للتمتع بصحة نفسية جيدة. فإن معالجة قضايا الصحة النفسية من منظور نسوي ليس فقط خطوة نحو تحسين حياة النساء، بل هو أيضًا استثمار في مستقبل مجتمعاتنا ككل.