كما ذكرنا في التقارير السابقة، ضمن حملة مواجهة العنف الطبي، أن المريضات يتعرضن لعنف من قبل الطبيب، سواء كان لفظي بالإهانة أو باستخدام ألفاظ نابية، أو عن طريق التعدي بالضرب خاصة في فترة الولادة، لاستجابة الحامل لتعليمات الطبيب، ولكن أحيانًا يحدث العكس أن يتعرض الطبيب/ة لمضايقات وتهديدات من المريض/ة وأهله، وهذا ما سنتحدث عنه من خلال الموضوع التالي، من خلال تصريحات الدكتورة “ماريا حلمي” أخصائية النساء والتوليد بسوهاج، ومصدرنا في التوعية بالعنف الطبي بمبادرة “صوت لدعم حقوق المرأة”.
أشكال العنف الواقع على الأطباء
أولًا: العنف من المريض وأهله
“100% من أطباء مصر اتعرضوا لهجوم من أقارب المرضى” تحدثت الدكتورة “ماريا” عن تعرض غالبية الأطباء في مصر لمختلف أشكال العنف من المريض وأهله، والذي يشمل على الإهانة واستخدام الألفاظ البذيئة، بالإضافة إلى المضايقات والإعتداء بالضرب، وحتى التهديد بالقتل، وكل ذلك بسبب عدم توافر العلاج المناسب لحالة المريض، أو عدم وجود أماكن متاحة للحجز لاستقبال المريض، أو محاولة الطبيب لتحويل الحالة إلى مستشفى أو طبيب آخر، أو بدون أي سبب يدعي لذلك.
“أتذكر مرة وأنا في نبطشية استقبال في بداية عملي أن مريض طلبلي الشرطة بسبب أن أنا قلتله غير متوفر في الطواريء علاج أقراص ومتوفر حقن فقط فطلبلي الشرطة!”، فحكت لنا أخصائية النساء والتوليد بسوهاج تعرضها للتهديد في أحد مرات عملها، وليس الأخيرة، واتهمها المريض بتقصيرها في تقديم الخدمة، وطلب لها الشرطة بسبب هذا.
ثانيًا: تعنيف الأطباء من الأطباء نفسهم
وقد أوضحت لنا الطبيبة أن أحيانًا يتعرض بعض الأطباء إلى العنف من أطباء مثلهم، ويتمثل هذا العنف في: (التشكيك في القرارات الطبية للطبيب الآخر)، والمقصود به أن الطبيب/ة تستقبل حالة مرضية وتكتب لها الدواء المناسب أو تطلب قرار أو إجراء طبي لازم في هذه الحالة، ثم تذهب نفس الحالة إلى طبيب آخر ويتم التشكيك في كلام الطبيب السابق بل ويسيء إليه بشكل غير مقبول، وهذا لا يعد احترام في مهنة الطب بين الأطباء، بل قد يسبب أن أهل المريض/ة يعود ويمارس العنف والإهانة على الطبيب الآخر، جراء فعلة الطبيب الزميل.
وفي هذا تتسائل دكتورة “ماريا” لماذا لا يوجد قانون يحمي الطبيب؟ ولماذا للمريض الحق في ممارسة العنف على الطبيب بهذه السهولة؟
توثيق لتعرض الدكتورة “ماريا حلمي” لعنف أثناء عملها
وبسؤالنا لأخصائية النساء والتوليد عن هل تعرضت لعنف من قبل المريض وأهله؟ كانت الإجابة “طبعًا”. فقد تعرضت لشكوى عندما كنت طبيب متدرب، بسبب أن سيدة أُصيبت بمرض نادر أثناء حجزها في قسم النساء والتوليد، وتم العلاج والتعامل معاها، لكن وقتها تم اتهام كل الأطباء المتدربين في القسم بأنهم السبب في إصابتها بالمرض النادر، ولكن استطاع أن يثبت الطب الشرعي أن هذا المرض بيحدث نتيجة للقدر بدون أي تدخل طبي.
“شوفت حالات كتير لأطباء زملاء تم تهديدهم بالقتل”.. وحدث هذا وفقًا لما شاهدته الدكتورة “ماريا”، ليس فقط بسبب وفاة حالات مرضى، ولكن بسبب حالات كثيرة جدًا قد تحدث، مثل: حدوث مضاعفات للطفلة أثناء الولادة، أو حصول مضاعفات واردة في أي عملية مثل تلوث جرح العملية، أو حدوث التهاب، أو حدوث نزيف أثناء الولادة واحتياج الأم لنقل دم، أو حتى حدوث مضاعفات من التخدير”.
وترجع أخصائية النساء والتوليد سبب عزوف بعض الأطباء عن استقبال ومتابعة الحالات الحرجة إلى إمكانية تعرضهم للتهديد بالإعتداء أو القتل، إذا حدث أي نوع من المضاعفات الوارد حدوثها أثناء العملية مثلًا.. “وأنا بضطر للجوء لده كتير لو حالة شايفة أن نسبة المضاعفات فيها كبيرة فبتنازل عن أي أجر فيها وبقوم بتحويل الحالة لمكان حكومي لأن المسؤلية القانونية مش بتحميني من أي مضاعفات وارد أنها تحصل”.
وقد لفتت النظر الطبيبة المختصة بالنساء والتوليد، إلا أن المريض المصري يجهل الفرق بين المضاعفات الطبية والأخطاء الطبية.. “معندوش أي وعي بالفرق بين الأتنين”.
توصيات لمواجهة العنف ضد الأطباء
أشارت الدكتورة “ماريا” إلى عدد من التوصيات لمواجهة العنف ضد الأطباء، وهي كالآتي:
- ضرورة وضع قوانين طبية واضحة للتفرقة بين الخطأ الطبي والمضاعفات الطبية.
- توثيق السجلات الطبية لحالة المريض بدقة.
- يجب وجود وعي للسيدات بطبيعة الإجراءات الطبية، ومناقشة هذا مع الطبيب.
- يجب توعية الأهالي بعدم اللجوء لعمليات طبية غير قانونية مثل الختان والإجهاض أو فحص العذرية أو إعادة العذرية.
قانون المسؤولية الطبية الجديد
في شهر يوليو الماضي، تم استحداث مشروع قانون المسؤولية الطبية المنظور أمام مجلس النواب، والذي تضمن إنشاء صندوق لتعويض الأضرار عن أخطاء المسؤولية الطبية، ويتحمل عن الأطباء قيمة التعويضات التي يُحكم بها عليهم.
كما أقر المشروع عقوبات مشددة لكل من يتعدى على الأطباء والمنشآت الطبية لمواجهة تكرار الأحداث التي وقعت مؤخرًا.
و جعل القانون عقوبتي الحبس والغرامة عقوبات تخييرية يقدرها القاضى بحسب جسامة الفعل المرتكب، ما يمنح القاضي حق توقيع عقوبة الحبس والذى يبدأ من ٢٤ ساعة حتى 3 سنوات أو الإكتفاء بعقوبة الغرامة فقط.