عندما يطرح نقاش العنف ضد المرأة، غالبًا ما يُسلط الضوء على العنف الجسدي واللفظي كأكثر أشكال العنف وضوحاً، و لكن هناك نوع آخر من العنف لا يحظى بنفس الاهتمام، رغم أنه شائع وله آثارًا بعيدة المدى على حياة النساء وحريتهن، ألا وهو العنف الاقتصادي.
يُعرف العنف الاقتصادي بأنه السيطرة على الموارد المالية أو التحكم فيها بطريقة تُضعف قدرة المرأة على اتخاذ قرارات مالية مستقلة. هذه السيطرة قد تأتي في أشكال مختلفة، بداءاً من الحد من وصول المرأة إلى المال، إلى منعها من العمل، أو التحكم في كيفية إنفاقها لأموالها.
مع الأسف هناك العديد من النساء اللاتي قد لا يدركن أنهن يتعرضن لهذا النوع من العنف، لأنه قد يبدو في البداية جزءًا طبيعيًا من العلاقة، خاصة في السياقات المجتمعية التي تعزز فكرة تبعية المرأة للرجل. الوعي بهذا الشكل من العنف أمر بالغ الأهمية لأنه يؤثر ليس فقط على الاستقلال المالي للمرأة، بل أيضًا على قراراتها المتعلقة بحياتها المهنية، التعليمية، وحتى العائلية. تسعى مبادرة “صوت لدعم حقوق المرأة” إلى تسليط الضوء بغرض توعية النساء بالعنف الاقتصادي وتقديم نصائح عملية تعزز من استعادة السيطرة على أوضاعهن المالية. سنستعرض في هذا الإصدار أهم هذه النقاط وكيفية تطبيقها.
كيف تعرفين أنكِ مستغلة اقتصاديًا؟
التعرف على مفهوم الاستغلال الاقتصادي هو الخطوة الأولى للتحرر منه. لكن كيف تعرف المرأة أنها تُستغل ماليًا؟ إليكِ بعض العلامات التي تدل على أنكِ قد تكونين ضحية لهذا النوع من العنف:
1- التحكم في قراراتك المالية :
إحدى العلامات الأكثر وضوحًا للعنف الاقتصادي هي منع المرأة من اتخاذ قرارات مالية مستقلة. قد يكون ذلك من خلال فرض شريكها قيودًا على كيفية إنفاق أموالها ومراقبة مشترياتها، أو التحكم في استثماراتها وقراراتها المالية الكبرى، مثل شراء العقارات أو التخطيط للمستقبل. هذا النوع من السيطرة يحرم المرأة من اتخاذ قرارات متعلقة بحياتها المهنية والمالية بشكل مستقل.
2 – الحد من وصولك للموارد المالية :
عندما لا تتمكنين من الوصول إلى حساباتك البنكية، أو تكونين بحاجة إلى إذن لاستخدام أموالك، فإن هذا يعد شكلًا من أشكال الاستغلال الاقتصادي. قد يتضمن هذا أيضًا وضع حدود صارمة على ما يمكنك إنفاقه على حسب ما يراه الشريك مهماً ، حتى في احتياجاتك الشخصية.
3- إجباركِ على العمل أو منعه :
في بعض الحالات، تٌحرم النساء من إتخاذ قرار الحصول على وظيفة لتحقيق الاستقلال المالي، مما يجعلهن معتمدات تمامًا على الشريك. وفي حالات أخرى، يتم إجبارهن على العمل في وظائف معينة لتحقيق مكاسب مادية للشريك، دون أن يُسمح لهن بإدارة أموالهن بأنفسهن.
4 – تحمل جميع الأعباء المالية :
إذا كنتِ تتحملين جميع المصاريف الأساسية للأسرة، رغم أن شريكك قادر على المساهمة، فهذه علامة أخرى على الاستغلال. يتوقع من المرأة في هذه الحالة أن تتحمل كل الأعباء المالية دون دعم، مما يزيد من الضغط عليها ويضعف قدرتها على الادخار أو التخطيط للمستقبل.
ماذا تفعلين إذا كنتِ ضحية للاستغلال الاقتصادي؟
إذا تعرفتِ على واحدة أو أكثر من العلامات المذكورة أعلاه في حياتكِ، فقد تكونين ضحية للعنف الاقتصادي. ولكن لا تقلقي، فهناك خطوات يمكن أن تتخذيها لاستعادة السيطرة على حياتك المالية:
أولاُ : البدء بتثقيف نفسك ماليًا
أولى الخطوات نحو التحرر المالي هي التثقيف. تعلمي كيفية إدارة أموالك بشكل فعال ومناسب لك ، سواء من خلال القراءة , تصفح المواقع المختصة، أو حضور ورش عمل مالية. ضعي خطوات لفهم كيفية وضع ميزانية شهرية، وتعلمي طرق الاستثمار والحفاظ على أموالك. فتح حساب مصرفي خاص بكِ يمكن أن يكون بداية جيدة لتحصيل أموالك بشكل آمن ومستقل.
ثانياً : البحث عن دعم واستشارة مختصين
لا تخجلي من طلب المساعدة إذا شعرتِ أنكِ بحاجة إليها. العديد منظمات غير حكومية تدعم النساء اللاتي يتعرضن للعنف الاقتصادي، وتقدم لهن المساعدة القانونية والمشورة المالية. هذه المنظمات والمبادرات قد توفر لكِ الموارد والإرشادات اللازمة لكيفية التخطيط لحياتك المالية، اجعلي مبادرة صوت لدعم حقوق المرأة احدها .أيضًا، قد تحتاجين إلى استشارة مستشار مالي أو محامٍ مختص في حقوق المرأة إذا كنتِ تواجهين صعوبة في التحكم بأمورك المالية ولفهم حقوقك القانونية وكيفية اتخاذ خطوات قانونية لحماية نفسك ماليًا.
ثالثاً : وضع خطة مالية مستقلة
بعد أن اصبحتي جاهزة للبدء في بناء استقلالك المالي، ابدئي بتوفير جزء من المال شهريًا، ولو كان بسيطًا. يمكن أن تساعدكِ هذه المدخرات على إنشاء احتياطي مالي يمكنكِ اللجوء إليه في حال كنتِ بحاجة إلى تحرير نفسك من علاقة غير صحية. كذلك، ضعي خطة لتغطية احتياجاتك الأساسية مثل السكن، الغذاء، والرعاية الصحية بعيدًا عن أي ضغوطات مالية خارجية.
قصص نجاح لنساء استعدن استقلاليتهن المالية
في هذا الجزء من المقال، نهدف إلى إلهامكِ، بالنظر إلى قصص واقعية وشهادات موثقة خاص لمبادة “صوت” عن لسان نساء واجهن استغلالًا اقتصاديًا وتجاوزن هذا العنف لاستعادة استقلالهن المالي. عبر التعلم، التخطيط المالي، والبحث عن دعم اجتماعي وقانوني، من أجل السيطرة على حياتهن المالية، وبدأ حياة جديدة قائمة على الاستقلالية والحرية المالية.
شهادة1:-
أ.س ( 29 سنة ) سيدة تعمل بجد في وظيفتها ، لكن زوجها كان يصر على وضع راتبها في حسابه البنكي الخاص، ثم يعطيها مبلغًا بسيطًا يوميًا كمصروف. كانت تشعر بالظلم لأن هذا المال هو نتاج جهدها الخاص، لكنها لم تكن تملك السيطرة على أموالها. بعد سنوات من المعاناة، قررت تثقيف نفسها لفهم حقوقها المالية والقانونية. بفضل هذه المعلومات، بدأت بإستعادة السيطرة على حياتها المالية وبدأت بإنشاء حساب بنكي خاص بها والبدء في إدارة أموالها بشكل مستقل. اليوم، والآن تنعم بالاستقلال المالي وتعيش حياتها بحرية أكبر.
شهادة 2:-
ع.م ( 34 سنة ) سيدة أخرى كانت دائمًا تطمح إلى التقدم في حياتها المهنية، لكن زوجها كان يمنعها من التقدم لأي وظيفة خارج المنزل بحجة أنها قد تصبح مستقلة ماديًا وتتعالى عليه. كان يصر على أنها تعمل فقط من المنزل، مما قيد طموحاتها. بدعم من إحدى سيدات الأسرة، تمكنت من كسر هذه القيود وتطوير مهارات جديدة. بدأت بالعمل في وظيفة بشركة محلية معروفة، واستعادت السيطرة على حياتها المهنية والمالية. الآن، وهذا ما ساعدها على التمكن المالي والاستقلالية، والتخطيط لمستقبلها بثقة أكبر.
دور المجتمع في دعم النساء المتعرضات للعنف الاقتصادي
إن المجتمع يلعب دورًا حاسمًا في محاربة العنف الاقتصادي ضد النساء. من خلال زيادة الوعي، يمكن للمجتمع أن يسهم في خلق بيئة داعمة للنساء اللاتي يتعرضن للاستغلال المالي. هناك العديد من المبادرات التي تسعى إلى تمكين المرأة اقتصاديًا، مثل تقديم ورش عمل للتثقيف المالي، وتقديم القروض الصغيرة للمشاريع النسائية، وتوفير مساحات للنساء للتواصل مع مختصين في إدارة المال.
إلى جانب ذلك، يجب أن تتضافر الجهود لنشر الوعي حول حقوق المرأة الاقتصادية وتوفير الدعم النفسي والقانوني للنساء اللواتي يعانين من هذا النوع من العنف. تمكين المرأة مالياً ليس فقط جزءًا من تحقيق العدالة والمساواة، بل هو خطوة أساسية نحو بناء مجتمع أكثر توازنًا وإنصافًا.
ختاماً, لا نبغي للمرأة أن تشعر بالخجل أو العجز إذا كانت تعاني من الاستغلال الاقتصادي. الوعي بحقوقكِ الاقتصادية والخطوات التي يمكنكِ اتخاذها لاستعادة السيطرة على حياتكِ المالية هي بداية الطريق نحو الحرية والاستقلال. حان الوقت لتتخذي خطوات جادة نحو تمكين نفسكِ ماليًا وتحقيق أهدافكِ بعيدًا عن أي سيطرة أو استغلال . استمعي إلى حدسكِ وكوني واثقة أنكِ تستحقين حياة مالية مستقلة ومتوازنة.