إعداد وحدة الأبحاث والقانون بمبادرة “صوت لدعم حقوق المرأة”
تهدف هذه الورقة القانونية إلى أولوية تطبيق مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وحقوق المرأة معاً، حيث تتناول أحد القضايا الأساسية في المجتمعات العربية وهي حماية النساء من العنف الجنسي داخل نطاق الأسرة، واعتبار مسألة تجريم الاغتصاب الزوجي أولوية وأداة أساسية لضمان حقوقهن في العلاقة الحميمية وتأصيل مبدأ الرضائية الكاملة بين الزوجين.. كما تسعى هذه الورقة إلى المساهمة في رفع الوعي تجاه حقوق المرأة بشكل عام وبشكل خاص تجاه الوقائع المسكوت عنها والتي تترك أثراُ نفسياً وجسدياً كالجرح الغائر بلا شفاء، و بالاعتماد على بيانات المسح الصحي للأسرة المصرية والذى أجراه الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء عام 2021، فإن 31% من السيدات اللاتى سبق لهن الزواج فى العمر من 15 حتى 49 سنة أوضحن تعرضهن لصور العنف المختلفة من قبل الزوج سواء كان في الـ12 شهراً السابقة عن المسح أو في أى وقت آخر وحوالي 5.6% من السيدات تعرضهن لعنف جنسي من قبل أزواجهن.
ونسلط الضوء في هذا العمل على أن الاغتصاب الزوجي جريمة وليس ظاهرة كما هي مصنفة في مصر، و نستوضح ذلك من خلال شرح مفهومها وأبعادها الاجتماعية والنفسية والقانونية، وتحليل الأسباب الكامنة وراء عدم تجريمها في التشريعات العربية. كما تسعى الورقة إلى استكشاف تأثير غياب تجريم الفعل المرتكب على الضحايا والمجتمع، وكشف الحيل والثغرات التي تمكن الجاني من الإفلات من العقاب في كثير من الأحيان.. وبيان التحديات المرتبطة بمواجهة هذه الظاهرة في ظل القيم الثقافية السائدة. وتقدم ورقة العمل توصيات لتعزيز البيئة التشريعية والسياسات المنوطة بحماية وإنصاف حقوق النساء وتطبيق منظومة العدالة ضد أي جاني.
ثانياً: تمهيد ومقدمة
العنف بشكل عام هو إحدى المشكلات الصحية العمومية التي تحدث نتيجة لاستخدام القوة والعنف البدني عن قصد، سواء للتهديد أو للإيذاء الفعلي ضد النفس، أو ضد شخص آخر، أو ضد مجموعة أو مجتمع، وقد يؤدي العنف أو يحتمل أن يؤدي إلى، الإصابة، أو الوفاة، أو الضرر النفسي، أو سوء النمو، أو الحرمان. وقد أصبح العنف واحداً من المشاكل الصحية الرئيسية في وقتنا الحالي. ولا يوجد بلد أو مجتمع لم يتأثر بالعنف، ولا يستثنى من ذلك إقليم شرق المتوسط.
ويُعد الاغتصاب جريمة جنائية في المواثيق الدولية تستلزم عقابًا على الجناة دون التفات لصلة القرابة التي تربطهم بالضحايا. لكنّ القوانين المحلية في المنطقة العربية تتحايل في ذِكر لفظ “اغتصاب” كما في مصر، أو في تعريفه الجنائي في لبنان وتونس، بشكل يسمح لبعض المعتدين الإفلات من العقاب أو إيجاد ثغرات تحايل لتخفيف العقوبات الجنائية على الفعل المرتكب.
وبإضافة نعتًا لكلمة الاغتصاب يصبح “اغتصاب زوجي” والمقصود به إكراه الزوجات على ممارسة الجنس دون رضائهنّ ورغماً عنهن، فإن الأمور تتطور من التحايل على الألفاظ القانونية إلى رفضًا صريحًا في الاعتراف بوجود تلك الجريمة في الأساس. أغلب مشاريع قوانين مناهضة العنف ضد النساء والتي قدّمتها مجموعات مدنية و حقوقية ونسوية إلى مجالس النوّاب العربيّة، يتم حذف الأبواب المُخصصة بالاغتصاب الزوجي منها، وتصبح العقبة الأكبر في إقرار قوانين تقضي بعقوبة جنائية على كل زوج أجبر زوجته على ممارسة الجنس، هم أصحاب القرار والمشرعين الرجال أنفسهم.
بنظر هؤلاء المشرعون ورجال الدين، تعتبر عقود الزواج بمثابة عقود تنقل ملكيّة أجساد النساء من العائلة إلى الزوج، وليس للمرأة سلطة مطلقة على جسدها، ولتكن بمثابة موافقة أبديّة من النساء على ممارسة الرجال للجنس دون اعتبار لرغباتهنّ الشخصية وموافقاتهنّ على الفعل. ورغم أن بعض الزيجات تتم دون موافقة النساء في مناطق عدة من البلدان العربية. إلا أن ملكيّة الزوج لجسد زوجته سارية طالما أن هناك عقد زواج ساري.
ثالثاً: المنهجية
اعتمدت الورقة منهجاً تحليلياً يستعرض تعريف الاغتصاب الزوجي وأبعاده القانونية في مصر وعدد من الدول العربية الأخرى، مع التركيز على تحليل الآثار النفسية الناتجة عنه، والتحديات المجتمعية المرتبطة به. كما اعتمدت على مراجعة الأدبيات القانونية والاجتماعية، وتحليل البيانات لدعم النتائج والتوصيات المستخلصة.
رابعاً: التعريفات حسب المجتمع الدولي
تعريف الأمم المتحدة (الاسكوا )ESCWA :
طبقا للأمم المتحدة والمعهد الأوروبي للمساواة بين الجنسين يعرف الاغتصاب الزوجي بأنه ولوج المهبلي أو الشرجي أو الفموي بطابع جنسي غير التوافقي لجسم شخص آخر بواسطة أي جزء جسدي أو باستخدام أداة، وكذلك أي أعمال أخرى غير توافقية بطبيعة جنسية، من قبل الزوج أو الزوج السابق أو الشريك سابق أو حالي تعيش معه ضحية اغتصاب أو تعيش في شراكة يعترف بها القانون الوطني.
منظمة الصحة العالمية (WHO):
تصف الاغتصاب الزوجي بأنه “أي علاقة جنسية غير توافقية تُفرض على أحد الشريكين من قبل الآخر ضمن إطار الزواج، باستخدام القوة الجسدية أو التهديد أو الإكراه”.
اتفاقية إسطنبول (2011):
نصت على ضرورة تجريم جميع أشكال العنف الجنسي، بما في ذلك الاغتصاب الزوجي. وتدعو الدول الأعضاء إلى تبني سياسات لا تسمح باستخدام الزواج كذريعة للإفلات من العقاب.
اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة: CEDAW
تؤكد اللجنة أن العنف الجنسي، بما في ذلك الاغتصاب الزوجي، هو شكل من أشكال التمييز ضد المرأة ويجب أن تضمن الدول معالجته قانونياً واجتماعياً.
خامساً: التحليل والإطار التشريعي
يُعد الإطار القانوني لجريمة الاغتصاب الزوجي محوريًا لفهم مدى حماية التشريعات للمرأة داخل الأسرة. وبينما تتفاوت المواقف القانونية بين مصر ودول أخرى في تجريم هذا الفعل، تكشف الورقة عن الفجوة بين التشريعات المحلية والدولية في التصدي لهذه الجريمة وضمان حقوق الناجيات/ الضحايا.
أ: جمهورية مصر العربية
يُجرم الاغتصاب في قانون العقوبات المصري وفقاً للمواد (٢٦٧-٢٦٩) المشرع المصري لا يُسمي الاغتصاب اغتصاباً، إنما “مواقعة أنثى كرهًا بغير الرضا” والمواقعة يُقصد بها ممارسة الجنس بالإجبار وفي حالة واحدة: إيلاج قضيب داخل مهبل وما دون ذلك، لا يعتبره القانون اغتصاباً، إنما “هتك عرض”.
فلا يعترف المشرّع المصري بحدوث الاغتصاب إلا بالإيلاج وكذلك لا يعتبر الإجبار على أي ممارسة جنسية دون موافقة أو رضائية اغتصابًاً، كالاغتصاب الشرجي أو إيلاج أدوات/أيادي في المهبل/الشرج/الفم، وبالتأكيد ينفي أن الرجال عرضة للاغتصاب كالنساء.
يستعير المشرع المصري لفظ هتك العرض من الإرث الثقافي والمجتمعي حول ممارسة الجنس بالإكراه ويربطه بالعِرض والشرف، وبالتالي يصبح وصماً مجتمعياً للضحايا لا الجناة.
أما عن الاغتصاب الزوجي، فلا يُجرمّه القانون إلا في الممارسات التي تتنافى مع الشريعة الإسلامية كالاغتصاب الشرجي/ أو بلغة القانون والدين: الإتيان من الدُبُر (مادة ٢٦٩) في الدورة السابقة للبرلمان المصري، تقدمّت النائبة “نادية هنري” بالتعاون مع عدة مؤسسات نسوية وأفراد بمشروع قانون العنف الموحّد ضد النساء. تضمّن المشروع بنودًا واضحة لتجريم الاغتصاب نصاً وتفنيداً واضحاً لأنواع الاغتصاب، وحذف عبارات مثل هتك العرض.
وقد حصل القانون على عدد 60 توقيع من توقيعات النواب لكنه لم يرَ النور حتى الآن. انتهت دورة البرلمان قبل طرح القانون للنقاش بسبب اعتباره غير ذي أولوية لأجندة المجلس، لا يزال العمل بمواد قانون العقوبات الحالي سارياً.
ب: الدول الأخرى
تتبنى بعض الدول توجهات متقدمة في تجريم الاغتصاب الزوجي، معتبرةً إياه انتهاكاً صارخًا لحقوق الإنسان والكرامة الإنسانية، بغض النظر عن العلاقة الزوجية. ومن خلال استعراض تجارب هذه الدول، يمكننا استخلاص دروس مهمة حول كيفية موائمة التشريعات الوطنية مع المعايير الدولية.
1 – تونس
اكتفى المشرع بتجريم الاغتصاب بشكل عام بالفصل 227 من المجلة الجزائية بالإضافة إلي أن الفصل 23 من مجلّة الأحوال الشخصية ينصّ على ضرورة قيام على كل من الزوج والزوجة بالواجبات الزّوجية حسبما يقتضيه العرف والعادة بما في ذلك الواجبات الجنسية، في غياب الشرح الفعلي للواجبات الجنسية التي يمكن أن تؤخذ على إطلاقها.
زيادة على أن الفصل 13 من نفس المجلة “لا يمكن للزوج أن يجبر زوجته على البناء، ما لم يدفع المهر” بمعنى أنه لا يستطيع الزوج إجبار زوجته على معاشرته إذا لم يدفع المهر، وفي هذا السياق فإن مجلة الأحوال الشخصية تكرّس الاغتصاب الزوجي.
2- المغرب
يعرف الفصل 486 من القانون الجنائي الاغتصاب بأنه “مواقعة رجل لامرأة بدون رضاها” للوهلة الأولى يبدو أن هذا التعريف لم يستثن المتزوجين من نطاق تطبيقه، على خلاف عدد من التشريعات المقارنة. لكن بالرجوع إلى فلسفة القانون الجنائي، يُلاحظ أن منطق التجريم والعقاب يتأثر بوجود علاقة الزوجية التي قد تصبح سبباً إما لتشديد العقوبة، كما هي الحال في جرائم العنف ضد الزوجة، أو إلى اعفاء أحد الزوجين من العقاب كما هي الحال في جرائم السرقة بين الأزواج، ويؤدي في أحوال أخرى إلى تأخير تنفيذ العقوبة في حالة قيام العلاقة الزوجية ووجود أبناء.
من جهة ثانية، يلاحظ أن المشرع المغربي يميز في الاعتداءات الجنسية التي تطال النساء بين جريمة الاغتصاب والتي تعني الإيلاج في المهبل بدون رضا الضحية، وهي جريمة تخص النساء فقط.
و جريمة هتك العرض والتي تعني الإيلاج في مكان آخر غير المهبل، ويشترط في هذا السياق أن تكون مصحوبة باستعمال العنف إذا تعلق الأمر بأشخاص راشدين، ويصنف الجريمتين معا ضمن باب جرائم الاعتداء على نظام الأسرة والأخلاق، ويعاقب أيضا على كل أشكال الإيذاء التي تطال أحد الزوجين طبقا للفصل 404 من القانون الجنائي.
ورغم صدور قانون محاربة العنف ضد النساء بعد انتظار طويل، إلا أنه لم يتطرق إلى تجريم الاغتصاب الزوجي بنص خاص، وإنما اكتفى بتعريف العنف الجنسي.
3- الجزائر:
لا يوجد قانون في الجزائر يجرم الاغتصاب الزوجي وعلى الرغم من ذلك فأنها قدمت لمجلس حقوق الإنسان تقريراً كتابياً تضمن تفسيرها السيادي لحكم المادة 236 من قانون العقوبات فتري أن إيلاج جنسي مصحوباً بعنف مادي أو معنوي تتعرض له المرأة يشكل عناصر لجريمة الاغتصاب الزوجي، وفي 2012 تم التأكيد على أنه وبالرغم من عدم ورود تعريف للاغتصاب الزوجي، فإن المحاكم تعتبر كل فعل جنسي يرافقه عنف جسدي أو نفسي تتعرض له أنثي على أنه جناية هتك عرض، ويمكن تطبيق هذا على الاغتصاب الزوجي، لأن المسألة في فقه القانون لا تستثني اغتصاب الزوج لزوجته وكل ما اشتمل عليه قانون العقوبات الجزائري حاليا هو إقرار عقوبات رادعة لوضع حد للعنف ضد المرأة حيث تصل العقوبة إلى السجن المؤبد.
4- لبنان:
تم تجريم الاغتصاب الزوجي في لبنان في عام 2014، أصدر قانون للقضاء علي العنف الأسري ثم تم تعديل القانون في عام 2017 ليشمل في مسودته الأولي على نص يتعامل مع الاغتصاب الزوجي إلا إن بعض القادة الدينيين المسلمين والمسيحيين أدانوا هذا النص ومن ثم تم حذف المادة، ولم يتحقق لهذا النص أن يرى النور.
ونختتم ان التحليل القانوني يُبرز أهمية تبني منظور نسوي يُركز على حقوق المرأة كفرد مستقل داخل الأسرة، بعيداً عن الأعراف التي تبرر العنف باسم الزواج، ولتحقيق العدالة، يتطلب الأمر إعادة صياغة التشريعات لضمان الاعتراف بالاغتصاب الزوجي كجريمة تنتهك كرامة المرأة وحريتها الجسدية، مع تعزيز دور القانون في تحدي الأبوية التي تسهم في تبرير هذا العنف.
سادساً: الآثار والتحديات
- الأثر النفسي لجريمة الاغتصاب الزوجي
تترك جريمة الاغتصاب الزوجي آثر نفسي عميق يؤثر على استقرار المرأة العاطفي والنفسي، حيث تخلق شعوراً دائماً بالذنب والخوف وفقدان الثقة في الذات، يُعتبر هذا النوع من العنف جزءاً من الأطر المجتمعية التي تسعى إلى تقويض حقوق المرأة واستقلالها النفسي، مما يفرض ضرورة إعادة النظر في الدعم النفسي والآليات العلاجية التي تراعي واقع المرأة وتجاربها.
1- اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)
- الاغتصاب الزوجي يعد من أبرز مسببات اضطراب ما بعد الصدمة (Post-Traumatic Stress Disorder). تشير الأبحاث إلى أن حوالي 31-57% من النساء اللاتي تعرضن للاغتصاب الزوجي يعانين من أعراض PTSD، مقارنة بحالات الاغتصاب خارج العلاقة الزوجية التي تظهر فيها نسبة مشابهة والأعراض تشمل:
- ذكريات متكررة ومؤلمة: الضحية تعيد استرجاع الحادثة بشكل لا إرادي مما يسبب انزعاجاً شديداُ.
- الكوابيس الليلية: يصاحبها خوف دائم من التكرار.
- التجنب: محاولة الضحية تجنب كل ما يذكرها بالحادثة، مثل الأماكن أو المواقف المشابهة.
2- الاكتئاب والقلق
- الاغتصاب الزوجي يؤدي إلى معدلات مرتفعة من الاكتئاب، أظهرت دراسة أجريت عام 2017 أن 64% من النساء اللاتي تعرضن للاغتصاب الزوجي يعانين من أعراض اكتئاب شديدة حيث يتمثل الاكتئاب في:
- شعور دائم بالعجز.
- التفكير في الانتحار: دراسة نشرت في Journal of Interpersonal Violence عام 2018 أشارت إلى أن النساء المعنفات جنسياً من أزواجهن يفكرن في الانتحار بمعدل يزيد بثلاثة أضعاف عن غيرهن.
3- انخفاض تقدير الذات
- يعاني الضحايا من فقدان الثقة بالنفس نتيجة للمعاملة القاسية.
- أشارت دراسة أمريكية عام 2020 إلى أن 78% من الضحايا يعبرون عن شعورهم بأنهم بلا قيمة أو تأثير في حياتهم.
4- العزلة الاجتماعية
- النساء اللواتي يتعرضن للاغتصاب الزوجي يعانين من صعوبة في التحدث عن مشاكلهن بسبب وصمة العار.
- تقرير من World Health Organization (WHO) لعام 2019 أشار إلى أن 46% من الضحايا يشعرن بالخوف من إخبار الآخرين، مما يؤدي إلى انعزالهن اجتماعياً.
5- اضطرابات النوم والأكل
- تؤدي الصدمات النفسية إلى اضطرابات في النوم (مثل الأرق أو النوم المفرط)، واضطرابات في الأكل (مثل فقدان الشهية أو الإفراط في تناول الطعام)، مما يزيد من مشاكل الصحة العامة للضحايا.
6- نظرية الصدمة النفسية (Trauma Theory)
- تشرح كيف تترك الأحداث الصادمة أثراً طويل الأمد على الدماغ.
- الاغتصاب الزوجي يؤدي إلى ارتفاع مستويات الكورتيزول، وهو هرمون الإجهاد، مما يسبب أضرارًا في قدرة الضحايا على التعامل مع التوتر اليومي.
7- نظرية التعلم الاجتماعي
- تشير إلى أن العنف الزوجي بما في ذلك الاغتصاب قد يكون متأثرًا بعوامل بيئية مثل تعرض الأزواج أنفسهم للعنف في الطفولة.
- دراسة أجريت في مصر عام 2022 وجدت أن 68% من مرتكبي الاغتصاب الزوجي تعرضوا لعنف أسري خلال طفولتهم.
- دراسة أجرتها National Coalition Against Domestic Violence (NCADV) عام 2020 أظهرت أن النساء اللواتي يتعرضن للاغتصاب الزوجي أكثر عرضة بنسبة 85% للإصابة باضطرابات نفسية مقارنة بغيرهن.
- في الشرق الأوسط، دراسة أجريت في لبنان عام 2018 أشارت إلى أن 47% من النساء المتزوجات تعرضن لشكل من أشكال العنف الجنسي، مع تأثيرات نفسية طويلة الأمد.
- التحديات الاجتماعية المرتبطة بالاغتصاب الزوجي
الاغتصاب الزوجي يُمثل أحد أكثر أشكال العنف الجنسي تعقيداً، إذ يرتبط بمجموعة واسعة من التحديات الاجتماعية التي تعرقل مواجهته بشكل فعّال وفيما يلي تحليل مفصل لهذه التحديات:
1. الوصمة المجتمعية
- الخوف من التحدث علناً: تعاني النساء من وصمة اجتماعية مرتبطة بالإبلاغ عن تعرضهن للاعتداء الجنسي من قبل أزواجهن. يعتبر الحديث عن هذا النوع من العنف “عيبًا” أو تهديداً لسمعة المرأة وعائلتها في كثير من المجتمعات.
- الخلط بين الحق الجنسي والواجب الزوجي: في العديد من الثقافات، يُنظر إلى العلاقة الزوجية على أنها التزام المرأة بطاعة الرجل جنسياً، ما يجعل الحديث عن الاغتصاب الزوجي أمراً مرفوضاً اجتماعياً
- الأعراف الثقافية والدينية
- تقديس الزواج: يتم تصوير الزواج على أنه علاقة مقدسة، مما يدفع العديد إلى إنكار إمكانية وقوع جرائم جنسية داخله.
- تفسير ديني خاطئ: بعض التفسيرات الدينية تُستخدم لتبرير عدم وجود مفهوم “الاغتصاب” في الزواج، حيث تُقدَّم العلاقة الجنسية على أنها حق مطلق للزوج دون الحاجة إلى موافقة الزوجة.
- غياب الدعم المجتمعي
- النظرة الضيقة للدعم الأسري: غالباً ما تُشجع الأسرة النساء على التزام الصمت حفاظًا على “تماسك الأسرة”، مما يعزز استمرار الظاهرة.
- العزلة الاجتماعية للضحايا: النساء اللاتي يبلغن عن تعرضهن للاغتصاب الزوجي يواجهن أحياناً النبذ الاجتماعي أو اللوم من أفراد أسرتهن و مجتمعهن.
- عدم المساواة بين الجنسين
- الفجوة في القوة والسلطة داخل الأسرة: تؤدي البنى الاجتماعية التي تعطي الرجال سلطات مهيمنة داخل الأسرة إلى تسهيل وقوع العنف الجنسي ضد النساء.
- تطبيع الهيمنة الذكورية: يتم التعامل مع سيطرة الرجل على المرأة كجزء طبيعي من العلاقة الزوجية، مما يؤدي إلى تطبيع العنف الجنسي.
- ضعف التوعية والتعليم
- انعدام الوعي بحقوق المرأة: العديد من النساء غير مدركات لحقوقهن القانونية، إن وجدت، فيما يتعلق بالموافقة الجنسية داخل الزواج.
- الافتقار إلى التعليم حول العلاقات الصحية: غياب برامج تعليمية تتناول مفهوم الموافقة وحقوق المرأة يعزز انتشار المفاهيم الخاطئة التي تبرر الاغتصاب الزوجي.
- التبعية الاقتصادية
- الخوف من فقدان الدعم المالي: تعتمد الكثير من النساء على أزواجهن ماليًا، مما يمنعهن من مقاومة الاعتداءات الجنسية أو الإبلاغ عنها.
- غياب البدائل: عدم توفر بدائل اقتصادية مثل العمل أو الدعم المجتمعي يدفع النساء إلى الاستمرار في زيجات مسيئة.
- ضعف البنية القانونية
- غياب التشريعات الخاصة: لا تعترف العديد من القوانين الوطنية بالاغتصاب الزوجي كجريمة، كما هو الحال في مصر، مما يجعل النساء غير قادرات على اللجوء إلى القانون.
- التطبيق المحدود للقوانين الموجودة: حتى في الدول التي تُجرّم الاغتصاب الزوجي، تواجه النساء تحديات في إثبات الجريمة بسبب ضعف الأدلة أو ضغط المجتمع.
- تأثير الإعلام والثقافة الشعبية
- تصوير العلاقة الزوجية بشكل نمطي: تُظهر العديد من الأعمال الإعلامية المرأة في دور الخاضع للرجل، مما يعزز أدوار النوع الاجتماعي التقليدية.
- تجاهل القضية: تتجنب وسائل الإعلام المحلية تناول قضية الاغتصاب الزوجي بشكل جدي، ما يُسهم في استمرار الجهل بخطورة هذه الظاهرة.
- تأثير العنف على الأطفال والمجتمع
- انتقال العنف بين الأجيال: الأطفال الذين ينشؤون في بيئات يسودها العنف الزوجي، بما في ذلك العنف الجنسي، يكونون أكثر عرضة لتكرار السلوك نفسه في حياتهم البالغة.
- زعزعة الاستقرار الأسري: يؤدي العنف الجنسي داخل الأسرة إلى انعدام الثقة وزيادة التوترات، مما يُضعف النسيج المجتمعي على المدى الطويل.
جدير بالذكر إلى أن تحليل التحديات الاجتماعية للاغتصاب الزوجي يكشف عن ضرورة مواجهة الأعراف التي تشرعن الهيمنة الذكورية داخل الأسرة. ويتطلب ذلك العمل على تمكين النساء من كسر حاجز الصمت وتحدي البنية الاجتماعية التي تُقيّد حقوقهن وتُعيق تحقيق العدالة.
سابعاً: التوصيات
- توصيات تشريعية وقانونية
- تجريم واضح للاغتصاب الزوجي: ضرورة إدراج نصوص قانونية صريحة تجرّم الاغتصاب الزوجي في التشريعات الوطنية، مع تحديد عقوبات ملائمة للردع.
- تعزيز إنفاذ القوانين: ضمان تطبيق القانون عبر تدريب الجهات الأمنية والقضائية للتعامل مع قضايا العنف الجنسي بحساسية واحترام للضحايا.
- حماية هوية الضحايا: ضمان سرية بيانات النساء اللاتي يبلغن عن الاعتداءات لتشجيعهن على الإبلاغ دون خوف من الوصمة الاجتماعية.
- توصيات مجتمعية وثقافية
- تغيير المفاهيم المجتمعية: إطلاق حملات توعية على المستويين المحلي والوطني لتثقيف المجتمع حول مفهوم الموافقة الزوجية ورفض ثقافة العنف الجنسي.
- دور الإعلام: تعزيز تناول الإعلام لقضية الاغتصاب الزوجي بشكل يدعم حقوق الضحايا، من خلال إنتاج مواد مرئية ومسموعة تروج للمساواة بين الجنسين.
- إشراك الرجال والفتيان: تنظيم ورش عمل وبرامج تعليمية تستهدف الرجال والشباب لتغيير التصورات التقليدية التي تدعم الهيمنة الذكورية.
- توصيات دعم الضحايا
- توفير مراكز دعم: إنشاء مراكز دعم نفسي واجتماعي متخصصة تقدم خدمات مجانية لضحايا الاغتصاب الزوجي، تشمل الاستشارات النفسية والقانونية.
- التمكين الاقتصادي: دعم النساء اقتصاديًا من خلال برامج تدريبية وفرص عمل للحد من التبعية الاقتصادية التي تعيق اتخاذهن لقرارات مستقلة.
- التأهيل النفسي: تقديم برامج علاج نفسي طويلة الأمد للضحايا لعلاج اضطرابات القلق واضطراب ما بعد الصدمة (PTSD).
- توصيات تعليمية وأكاديمية
- إدراج قضايا العنف الجنسي في المناهج الدراسية: دمج قضايا النوع الاجتماعي ومفهوم الموافقة الزوجية ضمن المواد التعليمية لتعزيز الوعي منذ الصغر.
- دعم البحث العلمي: تمويل دراسات حول العوامل المؤدية إلى الاغتصاب الزوجي وسبل مواجهته، مع التركيز على السياق الثقافي والاجتماعي في مصر.
- توصيات على المستوى الدولي
- الالتزام بالاتفاقيات الدولية: تفعيل اتفاقيات مثل “اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة” (CEDAW) وضمان تنفيذ بنودها المتعلقة بالعنف الجنسي.
- التعاون الإقليمي: تبادل الخبرات مع الدول التي نجحت في تقنين قوانين تحمي من الاغتصاب الزوجي وتعزيز آليات الدعم لضحايا العنف.
- توصيات للأسر والمجتمعات الصغيرة
- تقديم الدعم الأسري: تشجيع الأسر على لعب دور داعم للضحايا بدلًا من الضغط عليهن بالبقاء في زيجات مسيئة.
- تعزيز الحوار الأسري: خلق بيئة أسرية قائمة على الحوار والاحترام المتبادل لتقليل احتمالات العنف الزوجي.
- توصيات للدولة والمؤسسات الحكومية
- تعزيز برامج الحماية الاجتماعية: تقديم دعم مالي وقانوني للنساء اللاتي يهربن من زيجات مسيئة.
- تدريب العاملين في القطاع الصحي: توعية الأطباء والعاملين في القطاع الصحي بالتعامل مع ضحايا العنف الزوجي بطرق تحترم خصوصياتهم.
ثامناً: الخاتمة
يمثل الاغتصاب الزوجي واحدة من أكثر القضايا تعقيداً في المجتمعات المعاصرة، حيث يتداخل فيها البعد النفسي والاجتماعي والقانوني والثقافي. ومن خلال هذه الورقة، تم تسليط الضوء على الأبعاد المختلفة لهذه الظاهرة، بدءاً من تأثيراتها النفسية العميقة التي تترك ندوباً طويلة الأمد على الضحايا، وصولاً إلى التحديات القانونية والاجتماعية التي تحول دون مواجهتها بفعالية.
تكشف ورقة العمل عن وجود فجوة بين التشريعات المحلية والاحتياجات الواقعية للضحايا، وهو ما يتطلب إصلاحًا جذريًا في السياسات والقوانين الوطنية، بجانب إعادة النظر في المفاهيم الثقافية التي تشرعن الهيمنة الذكورية وتنتهك حقوق النساء. كما أن التداعيات النفسية والاجتماعية لهذه الظاهرة ليست مقتصرة على الضحايا فقط، بل تمتد لتشمل الأسرة بأكملها، مما يعزز من أهمية وضع سياسات متكاملة تهدف إلى التوعية، الدعم، والمحاسبة.
وعلى الرغم من التحديات، فإن الأمل يظل معقودًا على الجهود المجتمعية والنسوية التي تسعى لتغيير الواقع. فإعادة تشكيل الخطاب المجتمعي حول مفهوم الزواج القائم على المساواة والاحترام المتبادل يمثل حجر الأساس في إنهاء هذه الظاهرة. كما أن تعزيز التعاون بين الحكومات، منظمات المجتمع المدني، والمؤسسات الأكاديمية، يعد خطوة محورية في تحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير الحماية اللازمة للضحايا.
ختامًا، تظل معالجة الاغتصاب الزوجي واجبًا أخلاقيًا وقانونيًا ومجتمعيًا لا يحتمل التأجيل، حيث يشكل التصدي لهذه الظاهرة ليس فقط حماية لحقوق النساء، بل أيضًا قاعدة أساسية في بناء مجتمعات أكثر عدالة وإنسانية .
للإطلاع على مصادر المعلومات ولتحميل الورقة PDF: اضغط هنا