يمثل اليوم الدولي للمساواة في الأجر، الذي يحتفل به لأول مرة في 18 أيلول/سبتمبر، الجهود طويلة الأمد نحو تحقيق المساواة في الأجر عن العمل المتساوي القيمة، كما أنه يبني على التزام الأمم المتحدة بحقوق الإنسان وضد جميع أشكال التمييز، بما في ذلك التمييز ضد النساء والفتيات.
وكان شعار اليوم العالمي للمرأة خلال هذا العام هو: أنا جيل المساواة- إعمال حقوق المرأة.
ومن أجل ضمان عدم إهمال أي شخص، فتعود الحاجة لـأهداف التنمية المستدامة إلى تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين جميع النساء والفتيات وعلاوة على ذلك، تعزز أهداف التنمية المستدامة العمل اللائق والنمو الاقتصادي من خلال البحث عن العمالة الكاملة والمنتجة والعمل اللائق لجميع النساء والرجال، بما في ذلك الشباب والأشخاص ذوي الإعاقة، والأجر المتساوي لقاء العمل المتساوي القيمة، ويعد تعميم منظور النوع الاجتماعي أمرًا بالغ الأهمية في تنفيذ خطة التنمية المستدامة لعام 2030.
يستعرض هذا التقرير كافة الجوانب حول أزمة فجوة الأجور بين الجنسين على المستوي الدولي والمحلي، وتعتبر قضية المساواة من أهم الحقوق التي نسلط عليها الضوء ونسعى من أجلها، ومن ثم سنطرح الأسباب المتعلقة بفجوة الأجور بين الجنسين، واستعراض إحصائي بنسبة تفاوت الرواتب في الدول العربية و الأجنبية.
وتجدر الإشارة إلى أنه من الصعب تغطية كافة الجوانب حول أزمة الفجوة في تقرير واحد، لكن هنالك أبحاث وإحصائيات عديدة مهمة يمكننا استعراضها لاحقاً.
وفي الغالبية العظمى، تتقاضى النساء أجورًا أقل من الرجال، وتقدر فجوة الأجور بين الجنسين بنسبة 23 في المائة على مستوى العالم، وتكمن الفجوة بوجه عام في الاختلاف في متوسط الأجور التي يتقاضاها العاملون من الرجال والنساء في مكان عمل واحد ويعاملون معاملة مختلفة كتمييز سلبي لكونهم نساء.
ولا تزال المساواة بين الجنسين وتمكين النساء يتراجعان بسبب الفقر وعدم المساواة والحرمان في الوصول إلى الموارد والفرص التي تحد من قدرات النساء والفتيات، وكان التقدم في تضييق هذه الفجوة بطيئًا في حين تم تأييد المساواة في الأجور بين الرجال والنساء على نطاق واسع، إلا أن تطبيقها في الممارسة العملية كان صعبًا.
كانت “بي بي سي”قد نشرت تقرير سنوي عن الفجوة في الأجور بين الجنسين، ومن بين ما يوضحه التقرير متوسط الأجور التي يتقاضها كلٌ من الجنسين، كما يكشف عن المعلومات المتعلقة بالحوافز والرواتب التي يتقاضاها الرجال والنساء في كل شريحة من شرائح الأجور، وتعهدت بسد الفجوة في الأجور بين الجنسين لديها بحلول عام 2020، وجاء ذلك بالإضافة إلى حكم قضائي من محكمة العمل في لندن لصالح المذيعة، سميرة أحمد في قضية رفعتها ضد “بي بي سي” لأنها كانت تتلقى راتبًا أقل من زميل مذيع يقدم برنامجًا شبيها ببرنامجها، حيث طالبت المذيعة في جلسة المحاكمة بفارق راتب وصل إلى 700 ألف جنيه استرليني بينها وبين زميلها.
وفي تقريرٍ أصدرته عام 2018، أشارت المؤسسة الإعلامية إلى أن متوسط رواتب النساء يقل بنسبة 8.4 في المئة عن الرجال، بعدما كانت هذه النسبة تصل في العام السابق لذلك إلى 10.7 في المئة، كما بلغت الفجوة في متوسط الرواتب بين الرجل والمرأة 7.6 في المئة بعد أن كانت 9.3 في المئة.
بالرغم من أنه يوجد في بريطانيا مفوضية حكومية تتولى المسؤولية عن تطبيق القانون الخاص بالكشف عن حجم الفجوة بين الرجال والنساء في الرواتب، فإن هيلين ريردون بوند تقول إن الصلاحيات الممنوحة لهذه المفوضية “عفا عليها الزمن إلى حد بعيد” ما يجعلها غير ملائمة للوفاء بمتطلبات عملية تحديد هذه الفجوة ونشر تفاصيلها.
واعتبارًا من أغسطس عام 2015، لم يكن هناك سوى 22 في المائة من جميع البرلمانيين الوطنيين هم من الإناث، وهو ارتفاع بطيء من 11.3 في المائة في عام 1995.
كما ترى منظمة العمل الدولية أن “الفجوة بين الجنسين” مؤشر لقياس اللامساواة في الأجور بين الرجل والمرأة وتقدر في العالم بنسبة 22،9% إلا أنها تجاوزت الـ40% في عدد من دول آسيا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بحسب الدليل التعريفي حول المساواة في الأجور الذي أصدرته المنظمة عام 2013.
حتى نجمات هوليود اللاتي يتمتعن بشهرة واسعة تحدثن عن معاناتهن من الفرق في الأجور، مقارنة بالرجال، فمثلاً حققت الممثلة الأعلى أجراً في عام 2018، سكارليت جوهانسون 40 مليون دولار، أي أنها كسبت حوالي 200 مليون دولار أقل من الممثل الأعلى أجراً، جورج كلوني. وحصلت النجمة جيليان أندرسون على “نصف” ما عُرض على شريكها النجم ديفيد دوتشوفني للعودة لصناعة فيلم “ملفات إكس”.
وعلى صعيد الدول العربية، مصر تحتل المرتبة 139 من بين 149 دولة من حيث مشاركة النساء الاقتصادية والفرص بحسب مؤشر الفجوة بين الجنسين 2018، أما في اليمن فتحصل المرأة على 63% فقط من أجر الرجل، وأشار المنتدى الاقتصادي العالمي 2017 إلى أن اليمن والعراق وباكستان وسوريا هي الأسوأ من حيث تحقيق المساواة بين الجنسين.
أما فى الكويت تحصل المرأة -طبقا لمؤشر الفجوة بين الجنسين- على نسبة 64% من الراتب الذي يحصل عليه زميلها في العمل، وتحصل المرأة التونسية على أقل مما يحصل عليه الرجل، ورغم أن تونس الدولة العربية الوحيدة التي أقرت عددًا من القوانين المنصفة للمرأة فإن ذلك لم يظهر بصورة عملية على أرض الواقع فيما يخص المساواة في الأجور.
كما أنه وبحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن هناك تفاوتًا بين “متوسط الأجر النقدي الأسبوعي” يبلغ 12.9% تقريبا، إذ يبلغ متوسط الأجور للإناث في مصر 850 جنيها أسبوعيًا، في حين يبلغ متوسط الأجور للذكور في مصر 960 جنيها أسبوعيًا.
وطبقاً للبنك الدولي فإن النساء في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يشكلن نحو 21% من القوى العاملة ولا يسهمن سوى بنسبة 18% من إجمالي الناتج المحلي في هذه المنطقة.
كانت “ميشيل تيرتيلت”، خبيرة اقتصادية بجامعة مانهايم في ألمانيا، أجرت أبحاثًا مع فريق من الباحثين حول تأثير جائحة فيروس كورونا ” كوفيد19″ على العاملين من الجنسين في الولايات المتحدة، وأشارت تقارير إلى أن الحجر الصحي أدى إلى ارتفاع نسب البطالة، وذكر مجلس التعاون الاقتصادي والتنمية أن دولًا عديدة ستواجه ركودًا اقتصاديًا قريبًا، ولكن نصيب النساء من البطالة كان أكبر من نصيب الرجال، إذ زادت نسبة البطالة بين النساء بنسبة 0.9 في المئة، مقارنة بـ 0.7 في المئة بين الرجال.
وفي أعقاب تفشي فيروس كورونا المستجد، طفت إلى السطح أوجه انعدام المساواة الاقتصادية في المجتمع، وتقول “كلير وينهايم” الأستاذة المساعدة لسياسات الصحة العالمية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة لندن، إن جميع الجوائح لها تأثير متفاوت على الجنسين، ونعتقد أن هذا الفيروس قد ساهم في فضح جميع أوجه انعدام المساواة المتجذرة في المجتمعات.
مؤخراً، يعمل المنتدى الاقتصادي العالمي على تنفيذ مشروع “سد الفجوة بين الجنسين” وذلك بهدف زيادة مشاركة المرأة في سوق العمل، وتشجيع المزيد من النساء على تقلد مناصب قيادية اقتصادية، وسد الفجوات في الأجور لضمان حصول النساء على المهارات اللازمة لمستقبل العمل وخصوصاً في ظل الثورة الصناعية الرابعة.
وبحسب تصريح سابق لوزيرة السياحة:” أن الهدف رقم 5 من أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة يرتكز على المساواة بين الجنسين، وهذا الهدف يتبناه المجلس القومي للمرأة، من خلال الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة المصرية 2030 والتي تم إطلاقها في 2017، والتي تؤكد على التزام مصر بتمكين المرأة المصرية لتكون شريكاً أساسياً وفعالاً في استراتيجية التنمية المستدامة.
وتعتبر أهم خطوة للتصدي لهذه الفجوة على النطاق المحلى والدولي هي وضع تشريعات وقوانين ملزمة للجميع، حيث تتصدى القوانين في أغلب البلدان للتمييز في الأجور، كفرض المساواة في الأجر عن الوظيفة المماثلة والافصاح عن الرواتب للشركات بشكل علنى حتى لا يتسنى لأصحاب المؤسسات التلاعب فيها.