اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 7 نوفمبر 2022، قرارها 77/8، الذي أعلنت فيه يوم 18 نوفمبر من كل عام يومًا عالميًا لمنع الاستغلال الجنسي والإيذاء والعنف للأطفال والتعافي منه وضرورة القضاء على جميع أشكال الاستغلال الجنسي للأطفال والاعتداء والعنف ضدهم ومنعها وتعزيز كرامة وحقوق أولئك الذين يتعرضون للاستغلال والاعتداء والعنف الجنسي على الأطفال، بما في ذلك الصحة العقلية والبدنية والشفاء.
خلال الجلسة التي تم الإعلان فيها عن اليوم العالمي لمواجهة الاستغلال الجنسي للأطفال، نجد أن “فاطمة مادا بيو”، السيدة الأولى لجمهورية سيراليون، دعت الدول الأعضاء للعمل بالأمم المتحدة من أجل “الحفاظ على كرامة أطفالنا، وحماية طفولتهم، واستعادة كرامة الضحايا والناجين/ات من استغلال الأطفال وإساءة معاملتهم، والعنف وتحقيق العدل والشفاء”.
ووجهت رسالة قوية، قائلة: “أود أن أقول للعالم: ارفعوا أيديكم عن فتياتنا”.
وعقب اعتماد الجمعية العامة مشروع القرار، تحدثت السيدة “فاطمة” إلى الصحفيين من أمام قاعة الجمعية العامة، قائلة: “لا أدري ما إذا كنا سنتمكن من وقف الاغتصاب كليًا في العالم. لكن كلما علا صوتنا، أعتقد أنه يقلل من عدد الضحايا”.
وتابعت: “أنا لست ضحية اغتصاب لكنني ضحية زواج مبكر، أقول إن الزواج المبكر هو شكل قانوني من الاغتصاب. لذلك، أعتقد أن الضحايا لديهم جميعًا نفس القصة. لأنه عندما ينتهك شخص ما جسدك دون موافقتك، فهذه جريمة، وتسلب منك حقوقك الإنسانية”.
وبالتزامن مع هذا اليوم العالمي، دعونا نتعرف أولًا على ما هو الانتهاك الجنسي للأطفال، وكيف تكون الأسرة سببًا في الاستغلال الجنسي لطفلاتها بأفعالهم المُشينة ضد الطفولة، والتي تبرز أولها في تزويج الطفلات قبل إتمامهن عمر الـ 18 عامًا. فكيف يتم إجبار الطفلات على ممارستهم الجنس قبل بلوغ السن القانوني؟
ما هو الانتهاك الجنسي للطفل/ة؟
يقصد به هو ممارسة أي نشاط جنسي مع الطفل/ة، ويشمل هذا: الاتصال الجنسي، مثل المداعبة الجنسية المقصودة أو ملامسة الأعضاء التناسلية، أو الجماع، كما يشمل الانتهاك الجنسي دون تلامس، مثل إطلاع الطفل على مواد إباحية، أو مراقبته أو تصويره بطريقة جنسية، أو التحرش الجنسي به، أو إجباره على ممارسة البغاء ومنه الاتجار بغرض الجنس.
الممارسات القمعية الأسرية والاستغلال الجنسي للطفلات
هناك عدد من الممارسات القمعية من قبل الأهل تعد أحد أبر الانتهاكات الجنسية للطفلات، وتندرك تحت هذه الممارسات الآتي:
1- تزويج الطفلات:
وهو إجبار الأهل للطفلات تحت سن 18 عامًا على تزويجهن من أشخاص بالغين أو من طفل الآخر، وهذا يعتبر أحد أبرز أشكال الاستغلال الجنسي للطفلات، حيث أنهن يتعرضن لممارسة الجنس قبل البلوغ، ما قد يعرضهن للصدمة والخوف، كما أن هذا التزويج يترتب عنه مشاكل صحية لتعرضهن للحمل والولادة في سن صغير، بالإضافة للمشاكل الاجتماعية والنفسية والتي تتمثل في التعرض للعنف المنزلي، وعزلهن عن الأصدقاء، بالإضافة إلى منعهن من الذهاب إلى المدرسة. وكنا قد ناقشنا مخاطر تزويج الطفلات ورأي القانون حول ذلك في موضوع منفصل يمكنكم الإطلاع عليه.
2- تشويه الأعضاء التناسلية:
والمعروفة بمصطلح ختان الإناث، وهي عملية قطع أو استئصال متعمدة للأعضاء التناسلية الخارجية للمرأة، مما ينتج عنها تشويه للأعضاء التناسلية الأنثوية، بالإضافة للإصابة بالبرود الجنسي عند ممارسة العلاقة مستقبًا مع الزوج.
هذه العملية وصفتها منظمة الصحة العالمية بأنها “أي عملية تلحق أضرارًا للأعضاء التناسلية الأنثوية لأسباب غير طبية”، وقد أوضحت تقارير لمنظمة الأمم المتحدة عام 2020 أن هناك حوالي200 مليون فتاة وسيدة على قيد الحياة اليوم خضعن لشكل من أشكال ختان الإناث.
3- هتك عرض الطفلات:
من المؤسف أن يكون أحد الممارسات الأسرية ضمن الانتهاك الجنسي للطفلات، هي هتك عرضهن، ففي الآونة الآخيرة قد سمعنا الكثير من الحوادث حول هتك عرض طفلات على يد أبائهم، أو أولاد عمومتهم وخالتهم، وهكذا من نفس صلة القاربة.
وقد صدر حكم بالمؤبد في أحدث واقعة اغتصاب وهتك عرض لطفلة على يد ابن عمتها، وكنا قد نشرنا تفاصيلها. حدثت الواقعة تحديدًا يوم 26 ديسمبر 2022 بدائرة قسم شرطة البدرشين بالجيزة، حيث واقع المتهم ابنة خاله الطفلة “س.ع” بغير رضاها بأن استغل حداثة سنها، وتواجدها بمفردها بمسكنها وما أن ظفر بها حتى حسر عنها ملابسها واعتدى عليها، وفض غشاء بكارتها، وأحدث بها نزيف وقطع بمنطقة العجان.
وبحسب تقرير تقييم التهديد العالمي 2023، أنه تم تحليل أكثر من 32 مليون بلاغ عن مواد الاعتداء الجنسي على الأطفال تم تلقيها على مستوى العالم في عام 2022 بواسطة المركز الوطني للأطفال المفقودين والمستغلين، ما يمثّل زيادة قدرها %87 عن عدد البلاغات التي تم تلقيها في عام 2019.
كما ذكر تقرير أعدّه خبير في مجال حقوق الإنسان أن الأشخاص الذين يعانون من التشرد، لا سيما الأطفال، معرضون أكثر من غيرهم لخطر الوقوع ضحية أشكال الرق المعاصرة، بما في ذلك العمل القسري والاستغلال الجنسي، لأنهم يتحوّلون بسهولة إلى فريسة يستغلّها المتجرون بالبشر وغيرهم من الجماعات الإجرامية.
وأشار إلى أن الفئات الأخرى المعرضة بشكل خاص للوقوع فريسة أشكال الرق المعاصرة نتيجة التشرد تشمل النساء، مضيفًا أن الأسر التي ترأسها إناث تشكل 70 في المائة من السكان المشردين في العالم الذين يقدر عددهم بـ150 مليون شخص.
وتابع أنّ كلًّا من القوانين والممارسات التمييزية في ما يتعلق بالطلاق والميراث والممتلكات الزوجية، فضلًا عن وصول النساء المحدود إلى العمل اللائق، يؤدّي إلى تفاقم خطر تشرد النساء بشكل ملحوظ.
طرق التعافي من أثر الممارسات الأسرية للانتهاك الجنسي للطفلات
فهناك عدة طرق يجب اتباعها لتعافي الناجيات من الأطفال من أثر الممارسات القمعية الأسرية والاستغلال الجنسي، يأتي أولها ضرورة الاستعانة بخط نجدة الطفل بالاتصال على “16000” التابع للمجلس القومي للطفولة والأمومة، هذا الخط يتيح البقاء مجهولين الهوية، ويقوموا تقديم المساعدة اللازمة لضحايا الاعتداء الجنسي، من خلال عدة طرق.
– إذا كانت الضحية قاصرًا، فإنهم يقومون بمرافقتها إلى الشرطة لتقديم بلاغ.
– يقوم المركز بتقديم المساعدة الطبية إذا لزم الأمر.
– يدعم الضحية بالمساعدة النفسية.
وأخيرًا، يمكن أن نركز في ظل اليوم العالمي لمنع الاستغلال الجنسي للأطفال والاعتداء عليهم والعنف ضدهم والشفاء من ذلك، لتسليط الضوء على الانتهاكات الجنسية الواقعة داخل الأسرة، بمعرفتها يمكن تجنبها ومعرفة كيفية التعامل معها.