أعلنت منظمة الأمم المتحدة، يوم 19 يونيه 2015، قرارها بأن يتم الاحتفال بيوم 19 يونيه من كل عام باليوم الدولي للقضاء على العنف الجنسي في حالات النزاع. وأوضحت في قرارها أن الهدف من ذلك هو إلتوعية بالحاجة إلى وضع حد للعنف الجنسي المرتبط بالنزاعات وتكريم ضحايا العنف الجنسي في جميع أنحاء العالم، والإشادة بكل الذين تجاسروا فأخلصوا أوقاتهم للقضاء على هذه الجرائم وجادوا بأنفسهم في سبيل ذلك المقصد.
ووقع الاختيار على ذلك التاريخ للتذكير باعتماد قرار مجلس الأمن 1820 (2008) في 19 حزيران/يونيه 2008 ، الذي ندد فيه المجلس بالعنف الجنسي الذي تتخذ منه الجماعات الإرهابية والمتطرفة وغيرها أسلوبًا من أساليب الحرب لإذلال المدنيين، فضلا عن أنه يمثل عقبة في سبيل بناء السلام.
وقد قالت “براميلا باتن” الممثلة الخاصة للأمين العام للعنف الجنسي أثناء الصراعات، في تقرير منظمة الأمم المتحدة الذي صدر في أبريل 2024، إن انتهاكات العنف الجنسي المرتبط بالنزاع ارتفعت بنسبة 50 في المائة عام 2023 مقارنة بالعام الذي سبقه، منبهة إلى أن تلك الزيادة المقلقة تأتي في خضم سياق عالمي يظل فيه الوصول الإنساني مقيدًا بشدة.
وقالت باتن إن تقرير منظمة الأمم المتحدة، رصد 3688 حالة عنف جنسي متصل بالنزاع تحققت منها الأمم المتحدة، وأن النساء والفتيات شكلوا 95 في المائة من تلك الحالات، مقارنة بخمسة في المائة بالنسبة للرجال والفتيان.
وأوضح التقرير أن 32 بالمائة من تلك الحالات الموثقة كانوا من الأطفال، أغلبهم من الفتيات بواقع 98 في المائة.
ونجد أن هناك عدد من الدول العربية تعيش موجات صراع مستمرة، ومن بينها فلسطين، والسودان، وسوريا، والعراق، ومع كل موجة صراع جديدة، تجلب معها مزيد من ضحايا الاعتداءات الجنسية. فالعنف الجنسي يعتبر من أقدم جرائم الحرب والأكثر إسكاتًا لأصوات الضحايا وإفلاتًا من العقاب، بحسب وصف منظمة الأمم المتحدة لها.
ويستمر اللجوء إلى ارتكاب العنف الجنسي المتصل بالنزاعات، سواء كان ضد النساء أو الفتيات أو الرجال أو الأولاد بكل تنوعهم، كأسلوب من أساليب الحرب والتعذيب والإرهاب، في سياق أزمات سياسية وأمنية متفاقمة بفعل العسكرة و الانتشار غير المشروع للأسلحة.
ومن خلال السطور التالي، نستعرض الوضع من جرائم العنف الجنسي، في أبرز الدول العربية التي بها نزاع مسلح، وهم: “السودان، فلسطين، سوريا، والعراق”.
العنف الجنسي في السودان
تتعرض النساء في السودان للاغتصاب بشكل وحشي، منذ سنوات طويلة، ولكن ازداد الوضع خلال الشهور الماضية، وتحديدًا مع بداية الصراع بين الجيش السوداني وميليشيا الدعم السريع، الذي حدث خلال العام الماضي، وتحديدًا في منتصف أبريل 2023.
وبحسب صندوق الأمم المتحدة للسكان، تشهد السودان أكبر حالات طوارئ النزوح الداخلي في العالم، حيث اضطر حوالي 6.6 مليون شخص إلى الفرار من منازلهم إلى مناطق أخرى من البلاد، وخلال هذا النزوح تعرضت عدد كبير من النساء للاغتصاب والاعتداءات الجنسية الوحشية.
فتقول “فوزية”، 26 عامًا، لصندوق الأمم المتحدة للسكان، في تقرير لها في أبريل 2024، أنها أثناء محاولة النجاة بحياتها باتجاه الحدود مع تشاد هربًا من العنف الذي اجتاح مسقط رأسها في السودان عندما اندلع القتال أمام عينيها مباشرة، اقتحم رجال مسلحون المنزل. وصرخوا: “أين تخبئون الأسلحة؟”، ولكن مع تأكدهم من عدم وجود أسلحة طلبوا الرجال بعض الطعام، وبعدها حدث الاعتداء الجنسي عليها، قائلة: “طلب مني الرجال أن أذهب إلى الغرفة المجاورة لأحضر لهم شيئًا يأكلونه. ولما ذهبت تبعني ثلاثة من المسلحين وأغلقوا الباب. صوب أحدهم مسدسًا نحو رأسي وطلب مني خلع ملابسي. وعندما رفضت أطلق رصاصة في اتجاه سقف الغرفة. لقد كنت خائفة جدًا”. أُجبرت على الاستلقاء على الأرض وقاموا باغتصابي.
تابعت: “كنت أتقيأ وأبكي. جاءت امرأة إلى الغرفة بعد مغادرتهم، غطتني وبدأت في البكاء معي”.
تجربة فوزية هي من بين عدد لا يحصى من التقارير عن العنف الجنسي المروع في السودان، بما في ذلك الاغتصاب والاختطاف والزواج القسري وزواج الأطفال.
توثق منظمات نسوية وحقوقية عديدة حالات العنف الجنسي، لا سيما بولايات الخرطوم ودارفور والجزيرة، الأكثر تأثرًا بالقتال المتواصل على مدى أشهر. لكن الجميع واجهوا معضلة الأرقام القطعية عن عدد الحالات، بسبب صمت الضحايا وخوفهن من الوصمة، كما منع سوءُ شبكات الاتصال المتابعة مع الناجيات.
وتؤكد هالة الكارب المدير الإقليمي لشبكة نساء القرن الأفريقي “صيحة” أن المعلومات المتاحة عن جرائم العنف الجنسي شحيحة للغاية مقارنة بما ارتُكب على الأرض. وتوضح أن غالبية الضحايا يصمتن شهورا، وربما سنوات قبل سرد الوقائع، في حين تضطر أخريات لخوض التفاصيل إذا حصل حمل.
وتضيف للجزيرة نت “تم توثيق 180 حالة، لكن توجد أخرى لم نتمكن من متابعتها بسبب التنقل والحرب، وتراجعت بعض الضحايا عن التحدث، ولا يمكن إجبارهن على ذلك”.
العنف الجنسي على النساء في فلسطين
مع تصاعد الصراعات في فلسطين منذ أكتوبر 2023 الماضي، وتتصاعد معها حالات الاعتداءات الجنسية على النساء هناك، فقد انتشر عدد من الشهادات من أهالي قطاع غزة، تفيد بتزايد حالات الاغتصاب والاعتداءات الجنسية، التي يرتكبها جنود الاحتلال ضد النساء في غزة، وذلك عبر تدوينات لهن عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وكشفت إحدى التدوينات، في مارس 2024، أن جنود الاحتلال قام بإخراج النساء من إحدى المنازل، واعتدى بالضرب على سيدة حامل في شهرها الخامس، وقاموا باغتصابها أمام زوجها وأطفالها، وذكرت التدوينة الآتي: “على لسان زوجها: أمروها بخلع ملابسها وبدأوا بضربها قالت للجيش أنا حامل بالشهر الخامس ما تضربوني، استمروا بضربها وبعد ساعات اخرجوا جميع النساء ما عدا السيدة الحامل وأطفالها”.
وتابعت التدوينة: “أخذوها أمام زوجها وأقاربه وأطفالها واغتصبوها، وأمروا الرجال بعدم إغماض إعينهم وإلا سيطلقون عليهم النار”.
كما أن هناك فتاة فلسطينية تدعى “جميلة الهسي”، قد شهدت في إحدى القنوات الإخبارية العربية، بأن قوات الاحتلال الإسرائيلي تتعمد إذلال النساء في قطاع غزة، من خلال التحرش بهن واغتصابهن والاعتداء عليهن، وتطلق الرصاص الحي على أي شخص يحاول نجدتهن، وهو ما دعا لإطلاق حملة كبيرة للتعاطف مع الفلسطينيين والنساء بالتحديد إزاء جرائم جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وقد نشرت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالعنف ضد النساء والفتيات ريم السالم، عبر حسابها الشخصي على موقع التغريدات “X”، خلال شهر مارس الماضي، وأعربت عن قلقها إزاء تزايد حالات الاغتصاب لنساء غزة، من قبل جنود الاحتلال، وأوضحت خلال منشورها أنه من المثير للاشمئزاز استمرار هذه الحالات في قطاع غزة الذي يتعرض لحرب إسرائيلية مدمرة منذ 6 أشهر.
وشددت على أن الاغتصاب وغيره من أنواع العنف الجنسي يمكن اعتبارها جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية أو سلوكيات قد تشكل إبادة جماعية.
ودعت “ريم سالم”، المقررة الخاصة للأمم المتحدة، إلى ضرورة وقف حالات العنف ضد النساء الفلسطينيات على الفور.
وقد أعلن المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، في فبراير 2024 الماضي، أنه حصل على شهادات جديدة عن تعرض فلسطينيات من قطاع غزة للعنف الجنسي والتعرية والتهديد بالاغتصاب، خلال احتجازهن من قبل الجيش الإسرائيلي.
وبحسب المرصد، فقد تضمنت شهادات المعتقلات اللواتي أفرج عنهن مؤخرا بعد أن أمضين مددا مختلفة من الاعتقال تعرضهن لممارسات قاسية تصل حد التعذيب، بما يشمل ضربهن بشكل وحشي، وتهديدهن بالاغتصاب حال عدم الانصياع لأوامر الضباط والإجبار على التجرد الكامل من ملابسهم والتفتيش العاري أمام جنود ذكور، وتوجيه ألفاظ نابية بحقهن، وتقييدهن وتعصيب أعينهن لفترات طويلة، واحتجازهن في أقفاص مفتوحة وسط أجواء شديدة البرودة، وحرمانهن من الطعام والأدوية والعلاج اللازم والمستلزمات النسائية، وتهديدهن بشكل متواصل بحرمانهن من رؤية أطفالهن، عدا عن قيام الجيش الإسرائيلي بنهب أموالهن وممتلكهاتهن التي كانت بحوزتهن عند الاعتقال.
وقد أعرب صندوق الأمم المتحدة للسكان، في شهر فبراير 2024، عن شعوره بالفزع إزاء تقارير بشأن قيام ضباط إسرائيليين بتجريد نساء وفتيات فلسطينيات في غزة من ملابسهن وتعرضهن للاغتصاب أو الإعدام.
وأضاف الصندوق في منشور له على حسابه بمنصة “X”، أن التقارير تفيد بتعرض نساء وفتيات فلسطينيات في غزة للضرب أو الاعتقال أو الإهانة أو الاغتصاب أو الإعدام على يد ضباط إسرائيليين. وشدد الصندوق الأممي على أن “النساء والفتيات لسن أهدافًا”.
وفي 19 فبراير الماضي، أعرب مقررو الأمم المتحدة عن قلقهم البالغ إزاء التقارير الواردة عن حالات الاغتصاب والتهديدات بالاعتداء الجنسي من قبل القوات الإسرائيلية أثناء اعتقالها التعسفي للنساء والفتيات الفلسطينيات.
جاء ذلك في بيان مشترك حمل توقيع مقرري الأمم المتحدة وصفوا فيه انتهاكات حقوق الإنسان المبلغ عنها ضد النساء والفتيات في فلسطين -التي تخضع للحصار والهجمات الإسرائيلية المكثفة- بالمروعة.
وقد وصفت حركة حماس البيان الأممي، بالمهم وثمنت صدوره، ودعت إلى “اعتماده كوثيقة إضافية ضمن ملف الدعوى المرفوعة أمام محكمة العدل الدولية للنظر في جرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني”.
العنف الجنسي على نساء سوريا
في ظل الحرب المستمرة في سوريا, منذ أكثر من ثلاثة عشر عامًا, ظهرت أشكال جديدة من الانتهاكات، وعلى رأسها العنف الجنسي الذي زاد استخدامه ضد المدنيين من نساء وفتيات وأولاد ورجال, من قبل أطراف النزاع الذين لجأوا إلى التعنيف الجنسي كأسلوب حرب وأداة لترهيب السكان, في ظل ظروفهم المأساوية.
وكان أكثر النساء المتضررات من العنف الجنسي، هنا السيدات والفتيات المعتقلات والمطلقات، وعلى وجه الخصوص النازحات، حيث تعرضن في الكثير من الأحيان للعنف والاستغلال الجنسي والتحرش الجسدي والتمييز, وكذلك الفتيات القاصرات التي تم تزويجهن قسرًا بعناصر جهة عسكرية تحت الضغط والتهديد, وتعرضنَ لاحقًا للاغتصاب الزوجي والتعنيف، وذلك بحسب ما جاء في تقرير بوكالة نورث برث، السورية، في يونيه 2023.
وسجل قسم الرصد والتوثيق في نورث برس خلال عام 2022 الماضي, 196 حالة اغتصاب تعرضت لها السيدات في سوريا، 75 منها في مناطق فصائل المعارضة.
وقالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، في تقريرها السنوي الـ12 عن الانتهاكات بحق النساء، والذي صدر في 25 نوفمبر 2023، إن نحو 29 ألف امرأة قتلن في سوريا منذ مارس 2011، معظمهن قضين على يد أجهزة أمن النظام.
ويشير تقرير الشبكة السورية، الذي صدر بمناسبة اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة، إلى أن 11 ألفا و541 حادثة عنف جنسي استهدفت النساء في سوريا، لافتًا إلى أن أغلبية الانتهاكات كانت على يد النظام السوري.
وقال التقرير، إن المرأة في سوريا تعرضت لمجموعة واسعة من الانتهاكات الجسمية التي ارتكبت في حقها على مدى قرابة الـ13 عامًا الماضية بشكل متكرر، وأضافت الشبكة أن التقرير اعتمد على أرشيفها الناتج عن عمليات المراقبة والتوثيق اليومية منذ مارس 2011، لانتهاكات القتل خارج نطاق القانون والاعتقال التعسفي والاختفاء القسري والتعذيب والتجنيد والعنف الجنسي، والهجمات بمختلف أنواع الأسلحة.
ارتفاع معدلات الاعتداءات الجنسية على نساء العراق
بعد عقود من النزاع المسلح، تتصاعد معدلات جرائم اغتصاب النساء والأطفال في العراق، وعادة ما يرافق هذه الجرائم اختطاف الضحية بعد استدراجها ومن ثم اغتصابها وقتلها والتخلص من جثتها لإخفاء معالم الجريمة، وهذا بحسب ما قالته إذاعة مونت كارلو الدولية، في تقرير لها في سبتمبر 2023.
وقد أوضح مدير دائرة الشرطة المجتمعية في وزارة الداخلية بالعراق، العميد غالب العطية، في تصريحات خاصة لإذاعة مونت كارلو الدولية، الاسباب التي أدت إلى ارتفاع معدلات جريمة الاغتصاب والتحرش هناك، قائلًا: “أسباب الاغتصاب والتحرش عديدة، سجلنا عددًا من الحالات في البيئة الشعبية أكثر والمناطق التي يكثر فيها تعاطي المخدرات والتفكك الأسري، وكذلك وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإباحية المفتوحة كان لها أثر سلبي صراحة في تشجيع ودفع بعض الشباب والرجال للاعتداءات الجنسية”.
وقال العطية: “هناك ارتفاع واضح في معدلات جريمتي الاغتصاب والتحرش، لذلك تعمل وزارة الداخلية بالتعاون مع بقية الأجهزة الأمنية على الحد من هذه الجريمة بكل الطرق الممكنة والمتاحة. إضافة إلى إطلاق العديد من الحملات والخطط للقضاء على الأسباب التي تؤدي إلى ذلك”.
وبين العطية: “أن حملاتنا والبرامج التي نقوم بها من خلال الشرطة المجتمعية تركز على تشجيع النساء على ضرورة الإبلاغ عن حالات التحرش أو الاعتداء الجنسي لأن ذلك يساعدهن في أخذ حقهن من الجاني وهذا أمر مهم جدًا للاستمرار لاحقًا بتجاوز ما تعرضت له نفسيًا لأنه سيتم التعامل معها قانونيًا ومجتمعيا كضحية، إضافة إلى أن ذلك سيساعد في القبض على الجناة وبالتالي عدم السماح لهم بتكرار جريمتهم. فالإبلاغ عن الجريمة يساعد نساء أخريات وأطفالًا ويوفر لهن الحماية من هذه الجريمة البشعة”.
ومع تزايد أشكال العنف الجنسي في الدول العربية التي بها نزاع مسلح، ومن أبرزها جريمة الاغتصاب، يزداد هاجس البحث عن حبوب منع الحمل، وخاصةً في السودان، ولكن للأسف لم تعد متوفرة في المستشفيات والمراكز الطبية، فقد باتت حبوب منع حمل المنتج الأكثر طلبًا اليوم في العديد من دول النزاع المسلح وعلى رأسهم السودان، حيث تتعرض الكثير من الفتيات المغتصبات لمعاناة الحمل والولادة أثناء النزوح من بلادهم، في خيام غير مجهزة، فقط لعدم توافر منتج بسيط يساعد في حماية النساء من استكمال حياتهم بشكل شبه طبيعي فيما بعد.
وفي ظل الحروب والصراعات القائمة في المنطقة، وبمناسبة اليوم الدولي للقضاء على العنف الجنسي في حالات النزاع، يجب التذكير بأن حماية النساء والأطفال في البلاد العربية واجبًا، وأنه على المجتمعات المحلية والدولية والحكومات والمؤسسات العالمية تقديم الدعم اللازم والرعاية الشاملة للناجيات من العنف الجنسي، ومحاولة وضع حلًا لتلك الصراعات حتى لا تكون المرأة طرفًا فيها.